متى يصبح Chat GPT صديقاً آمناً لأبنائنا؟ وكيف نجنبهم مخاطر الذكاء الاصطناعي؟

مع تزايد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل «شات جي بي تي»، بخاصة من قبل الأبناء من الأطفال والمراهقين، استسلمت الكثير من الأُسر لتعلّق وإقبال أولادها على هذه التطبيقات، بخاصة في ظل ما يقدمه «شات جي بي تي» من وسائل تعلّم وتطوير لقدراتهم، بما يتواكب مع متطلبات العصر، بعيداً عن دائرة التعليم النمطي التي لم تعد تفي وحدها بالغرض.
ومع التطور السريع في الذكاء الاصطناعي، أصبح اقتحامه لجميع المجالات، بما فيها التعليمية والطبية، أمراً بديهياً، بخاصة أن البعض استعاض به عن البشر في حياته من الأهل والأصدقاء، فهم يعتبرونه البديل الجاهز للجميع في حياة البشر، بخاصة أن هذه التطبيقات الوصول إليها مجاني، ولا يحتاج إلى مجهود من أيّ نوع.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء التربية والطب النفسي وتعديل السلوك حول كيفية الاستخدام الآمن للأبناء لـ«شات جي بي تي» للحصول على أقصى استفادة من دون خسائر، وما هي المميّزات التي تعود على الأبناء من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وما هي أبرز المخاطر والتحدّيات في المقابل، وكيف يمكن تفاديها:

فوائد الـ Chat GPT للأطفال
في البداية، يؤكد استشاري الصحة النفسية والخبير الأسري بالقاهرة الدكتور وليد هندي، أنه يجب ألّا نحارب شغف وتعلّق الأبناء بمثل هذه التطبيقات لأنchat GPT يُعد مصدراً هاماً للتعلّم والإبداع، ويقدم للأبناء طرقاً باهرة وفريدة في التعلم في وقت بسيط، الأمر الذي يحفز إبداعهم، ويعزّز من تجارب التعلّم لديهم.
ويقول: «الأمر فقط يحتاج إلى وعي وإدراك للوالدين بالفوائد، وكذلك بالمخاطر وكيفية التعامل مع التحدّيات من خلال المتابعة المستمرة للطفل عند تعامله مع أدوات الذكاء الاصطناعي».
وحول أهم الفوائد التي تعود على الأبناء من استخدام Chat GPT:
1. يُعد Chat GPT من أفضل الأدوات المستخدمة في تحسين التعلم، وتبسيط الموضوعات، والمساعدة على حل الواجبات، لقدرته على الشرح، والتوضيح، وتقديم الأمثلة المناسبة، بخاصة في مواضيع العلوم والرياضيات.
2. الذكاء الاصطناعي مصدر معرفي هائل يوفر الكثير من الوقت والجهد المطلوبين في البحث عن المعلومات، كما أنه مصدر مجاني متاح للجميع على مدار الساعة، وهي ميزة هامة جداً، من شأنها تقليص الفارق المعرفي بين القطاعات التعليمية الموجودة في أماكن جغرافية مختلفة، حيث تصبح المعرفة متاحة لأيّ طالب، في أيّ مكان.
3. يساعدChat GPT الأبناء على تعلم اللغات الجديدة والترجمة الفورية مع الشرح الدقيق والمبسط، ما يساعد الطفل على التعلم السريع، وإتقان اللغة بأفضل شكل.
4. لا يتوقف إبداع الذكاء الاصطناعي على التعلم، بل إنه يساعد الأبناء على حل المشكلات، وتصحيح الأخطاء، بأسرع وأسهل طريقة، عن طريق تقديم استشارات مجانية لحل التقنية والبرمجة التي تواجه الأبناء يومياً في حياتهم.
5. لأن Chat GPT لا يخزن المحادثات الشخصية بشكل دائم فإنه يُعد ملجأ جيداً للبعض في أوقات الضيق للفضفضة، والحديث مع الآخرين عندما يشعرون بالوحدة والرغبة في الحديث مع الآخرين. بمعنى آخر، فإن احتياجك إلى شريك حياة (ابن، صديق، أب، أم) سيقلّ، وقد يكون شبه معدوم، لأن الذكاء الاصطناعي سيلبي احتياجاتك لصديق، وأم، وابنن وأبن وزوج، وزوجة.
6. يساعد Chat GPT الأهل على الإجابة عن أسئلة الأبناء المحرجة والفضولية في مرحلة الطفولة، بخاصة إذا لم تكن هناك الخبرة الحياتية والقدرة لدى الأهل على الإجابة عن هذه الأسئلة بإجابات دبلوماسية مناسبة، تلبي حب استطلاع الأبناء، وتشفي فضولهم.
لكن في المقابل، يرى الدكتور وليد هندي أنه في عصر التطور المذهل في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تتباعد الفجوة بين الأجيال، لتمتد، وتلتهم كل جسور التواصل بينهم، وتصبح المسافات عصية على اجتيازها، ومحاولات التقارب بين الآباء والأبناء تبوء بالفشل.
ويوضح «لا شك في أن التكنولوجيا تغلغلت في حياتنا وصارت رفيقة يومياتنا، ولم يعد هناك من يستطيع التخلي عن الوسائل التي وفرتها التكنولوجيا للتيسير على الإنسان، ولكن مع هذا التنوع والتطور أصبح الأمر يدخل ضمن إطار الإدمان، والاعتماد عليها في كل يسير، لكنه نوع جديد من الإدمان، إدمان يصعب على الأطباء علاجه، وهو إدمان الحياة الافتراضية. لذلك، للأسف، الحياة الافتراضية هي مصير محتوم لا يمكن تجنبه».

مخاطر استخدام الأبناء للذكاء الاصطناعي دون ضوابط
ويتفق معه الدكتور محمد حمودة، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، استشاري علاج الإدمان وتعديل السلوك لدى الأطفال والمراهقين بالقاهرة، في أن المنافسة مستحيلة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، مبيّناً «قد يعتقد البعض أن الإنسان سوف يتطور لكي يسبق، أو يواكب الذكاء الاصطناعي، لكن هذا مستحيل، لأن التطور البيولوجي بطيء جداً، ولن يستطيع التسابق مع الذكاء الاصطناعي. ومثلما لم يستطع القرد أن يتطور لكي يصبح إنساناً، فلن يتطور الإنسان ليكون بسرعة الذكاء الاصطناعي. فتطور الإنسان لم يفيد القرود في أي شيء، وهكذا، فإن تطور الذكاء الاصطناعي لن يفيد الإنسان في أي شيء».
ولكن د. محمد حمودة يرى أنه يجب أن يتعلم الأهل كيفية تعليم الأطفال على استخدام «شات جي بي تي» بأمان، لكي نحمي أطفالنا قبل السماح لهم باستخدام هذه التقنية، بخاصة أنه من المتوقع أن يشارك الأبناء المعلومات الشخصية الخاصة بهم أثناء استخدامهم تقنية الذكاء الاصطناعي، بل إنهم من الممكن أيضاً أن يشاركوا البيانات الخاصة. لذلك من الهام الالتزام بعدم استخدام التطبيق لمن هم دون سن الثالثة عشرة، بعيداً عن أعين الأهل، لأنه على الرغم من الفوائد التعليمية لهذه التقنية فإن استخدامها من دون رقابة قد يعرّض الأطفال للعديد من المخاطر النفسية والسلوكية».
ويحدد الدكتور محمد حمودة المخاطر والتأثيرات السلبية لاستخدام الأبناء لـ«شات جي بي تي» في نقاط عدّة، أهمها:
1. عدم دقة المحتوى الذي يقدمه «شات جي بي تي»: ففي كثير من الأحيان لم ينجح «شات جي بي تي» في تقديم إجابة دقيقة، بل قدّم معلومات مغلوطة، وغير منطقية.
2. يؤثر في المعرفة ويسبب التدهور الإدراكي ويفقد الأبناء القدرة على الاستيعاب: وقد يدفعهم لتبنّي أفكار، سطحية أو منحازة، من دون التفكير فيها جيداً.
3. شأنه شأن أيّ وسيلة جديدة، قد يساعد على تنمية مهارة الأبناء، وزيادة إبداعهم وإنتاجيتهم، ولكنه في المقابل قد يخلق أشخاصاً اتكاليين واعتماديين، ما يفقدهم الكثير من مهاراتهم الإنسانية.
4. انتبهوا: قد يكون سبباً رئيسياً للإصابة بالاكتئاب لدى الكبار، وكذلك الصغار، بخاصة أن اتخاذ «شات جي بي تي» كصديق مقرّب يصيب الشخص بالوحدة والعزلة الاجتماعية، وصولاً إلى الاكتئاب، والقلق، والارتباك، شيئاً فشيئاً، من دون أن يعوا.
5. فقدان مهارات الاتصال الفعلي والتواصل البصري مع الآخرين من أبرز مخاطر تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأنه يخلق فجوة تتسع بمرور الوقت مع الاعتياد عليه.
6. يؤثر في قرارات الإنسان، بخاصة المراهقين، ما يدفعهم أحياناً لاتخاذ قرارات بمفردهم بعيداً عن الأهل، والتي قد تكون، في بعض الأحيان، قرارات خاطئة.
7. تتوقف صحة إجاباته على مدى مهارة المستخدم في طرح سؤال مفهوم، وله سياق تستطيع التقنية معالجته، فتقنية «شات جي بي تي» لا تفهم الأسئلة كما يفهمها العقل البشري، ولكن تقوم على فكرة التنبؤ بسياق وترتيب الكلمات.
8. من أكبر المخاطر الارتباط العاطفي بروبوت الدردشة، والتصديق أنه صديق حقيقي، وليس شخصية افتراضية وهمية، فيكتفون به عن العالم، ما يزيد من أعراض الاكتئاب إذا كان لديهم استعداد لها من الأساس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفصام، بخاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي لهذا المرض.
9. المهارات الحياتية التي يحتاج إليها الإنسان لكي يتعامل مع الناس ويكون شخصاً منتجاً داخل مجموعة يفقدها بالتدريج عندما يقع تحت تأثير إدمان «شات جي بي تي»، والتعامل مع البرامج التي تندرج تحت النوع نفسه.
10. للأسف، يعتمد بعض المراهقين، وكذلك البالغين، على تقنيات الذكاء الاصطناعي كمعالج نفسي، أو طبيب نفسي، وهو في الحقيقة يقدم نصائح، ساذجة وبدائية، ولا يقدم علاجات حقيقية، فهو لا يتمكن، ولن يتمكن في يوم من الأيام، من القيام بهذا الدور، لأنه لا، ولن يتمكن من تحليل المشاعر، وفهم المشكلة بشكل احترافي، ولا حتى يتمكن من تقديم التعاطف والدعم اللذين يحتاجهما المريض النفسي.

كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي بأمان ووعي مع الأبناء؟
من جانبها، تقدم خبيرة الصحة النفسية والعلاقات الأسرية المعتمدة من جامعة عين شمس والاتحاد الدولي للكوتشنج، الدكتورة رنا هاني، المتخصصة في التربية الإيجابية وعلم النفس الإيجابي، مجموعة من النصائح والخطوات اللازمة من الأهل لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية Chat GPT، بخاصة بشكل إيجابي، من أهمها:
- يجب أن يدرك الأهل أنه مهما بلغت تقنيات الذكاء الاصطناعي من تطور لا يمكن أن نعتمد عليها كلياً في توليد الأفكار، أو حل المشكلات المعقدة، ويجب علينا مراجعة تحيّزاته، والآراء السطحية في إجاباته.
- استخدام «شات جي بي تي» الأمثل يكون للبحث، وتبادل الأفكار، مع التركيز على أهمية تطوير فهمه، والأفضل استخدام مسوّدات أولية، أو تلخيصات سريعة، واعتباره أداة مساعدة لا تغني عن التفكير، وتدريب الأبناء على الكتابة والتحليل من دون الاعتماد عليه، وتطوير الأسلوب الشخصي لديهم لبناء أفكار مميزة.
- يجب أن نعلّم أولادنا التحقق من صحة المعلومات قبل اعتمادها، والرجوع دائماً إلى مصادر موثوقة للتأكيد، بمعنى آخر، أن نوضح لهم أنه لا يجب تصديق كل ما يقرأوه على الإنترنت، بما في ذلك ما هو موجود على نافذة «شات جي بي تي»، بل يجب أن ينظر الأطفال إلى الإجابات كنقطة بداية، وأنه يجب عليهم في كل الأحوال التحقق من مدى صحتها.
- استخدام الذكاء الاصطناعي في حل الواجبات المدرسية وإعداد الأبحاث المطلوبة يجب أن يكون أمراً مرفوضاً من قبل الوالدين، وخطاً أحمر لا يجب تجاوزه، وإلا سيعتمد الابن كلياً بعدها في تنفيذ واجباته على «شات جي بي تي»، من دون أن يفكر، أو يبذل أي جهد.
- يجب أن نحدّد مقدار الوقت الذي يمكن لأبنائنا قضاؤه في استخدام «شات جي بي تي» وتعليمهم كيفية حماية خصوصيتهم، وكيفية الإبلاغ عن أيّ سلوك ضارّ يواجهونه.
- يجب أن يناقش الأهل مع الأبناء أخطار وفوائد استخدام «شات جي بي تي»، والتأكد من أنهم يفهمون كيفية استخدامه بأمان ومسؤولية، ولا يجب، أبداًن أن يصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التفاعل الفعلي، والتواصل البصري واللفظي مع البشر، فالاعتدال والتوازن هامّان جداً حتى لا نقع في المحظور.
اقرأ أيضاً:
- «تشات جي بي تي».. مستشار وحكيم العصر الرقمي!
- الذكاء الاصطناعي «رفيق» جديد في تربية الأبناء