
قد يكون هدف اللعب تسلية أطفالنا، ولكنه يستخدم في حالات كثيرة لتمرير محتوى تعليمي تربوي، وحتى للعلاج. وهذا النوع من اللعب يندرج تحت مسمى «اللعب العلاجي»، ويعّد أداة علاجية مذهلة لبعض الاضطرابات والسلوكات السلبية التي ينتهجها بعض الأطفال للتعبير عن تمرّدهم وضيقهم، أو حتى انعكاسات وضعهم النفسي جرّاء خلافات آبائهم المستمرة.
ففي عصر التكنولوجيا وما تشكّله تلك الأداة من سيطرة على عقول أبنائنا، بات اللعب العلاجي يشكّل طوق نجاة للأطفال الذين يواجهون صدمات، أو قلقاً، أو اضطرابات سلوكية، بعيداً عن تناول أي عقاقير أو أساليب أخرى قد لا تجدي، أو حتى ترك الحالة تتفاقم من دون علاج، وبالأخص أننا كأُسر يمكن أن نكون جزءاً من العلاج.

يوضح الدكتور وليد العمر، أخصائي الطب النفسي في مستشفى ميدكير الشارقة، كيفية معالجة أطفالنا من خلال اللعب، وأنواع الألعاب المناسبة بحسب العمر، إلى جانب نصائح ذهبية للأسرة لتعزيز بيئة داعمة في المنزل.
يعرّف الدكتور وليد العمر، أخصائي الطب النفسي، مفهوم اللعب العلاجي واختلافه عن اللعب العادي الذي يقوم به الأطفال في المنزل: «اللعب العلاجي هو أسلوب منظم يستخدمه متخصصون مؤهلون لمساعدة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، والتعامل مع التحدّيات النفسية، ومعالجة الصدمات أو التوتر. ويستند هذا النوع من اللعب إلى مبادئ علم النفس، ويتم تصميمه بما يتناسب مع الاحتياجات العاطفية، أو النمائية للطفل. وعلى عكس اللعب العادي الذي يمارسه الأطفال في المنزل، والذي يكون عفوياً، ويهدف إلى التسلية فقط، فإن اللعب العلاجي له غاية علاجية، إذ يساعد الأطفال على التعبير عمّا يعجزون عن قوله بالكلمات».

مؤشرات أو سلوكات تدل على حاجة الطفل إلى جلسات علاج باللعب
يبيّن د. وليد أهم المؤشرات أو السلوكات التي يجب على الأهل الانتباه لها، لأنها تدل على حاجة الطفل إلى اللعب العلاجي: «تشير بعض العلامات والسلوكات إلى أن الطفل قد يكون بحاجة إلى العلاج باللعب، ومن الهام أن يكون الأهل منتبهين لهذه المؤشرات».
ويورد أبرز هذه العلامات:
- الانعزال المفاجئ أو الميل إلى الوحدة.
- السلوك العدواني أو التراجعي، مثل التبوّل اللاإرادي، أو التحدث بطريقة تشبه الأطفال الصغار.
- تكرار الكوابيس أو اضطرابات النوم.
- القلق المفرط أو الحزن الشديد، وهي من الإشارات التي تستدعي الانتباه.
- صعوبة التركيز، أو التراجع في الأداء المدرسي.
- مواجهة مشكلات في تكوين العلاقات مع الأقران.
- تغيّرات غير معتادة في الشهية أو العادات الغذائية.
أنواع اللعب الموصى بها تبعاً لأيّ مشكلة وأيّ مرحلة عمرية
تختلف أنواع اللعب العلاجي الموصى بها حسب الفئة العمرية للطفل، وطبيعة المشكلة التي يواجهها. فعلى سبيل المثال، يُنصح:
- للأطفال بين عمر 2 إلى 4 سنوات ممّن يعانون قلق الانفصال أو نوبات الغضب : اللعب الحسي مثل اللعب بالرمل أو الماء أو الطين، حيث يساعدهم ذلك على تهدئة مشاعرهم، والتعبير عنها بطريقة غير لفظية.
- للأطفال من 4 إلى 7 سنوات والذين يواجهون صدمات، أو فقداناً، أو سلوكات عدوانية: اللعب بالدمى أو العرائس، إلى جانب رواية القصص، من الوسائل الفعالة لتفريغ مشاعرهم، وفهم تجاربهم.
- للفئة العمرية من 7 إلى 10 سنوات، ممن يعانون القلق أو مشكلات في العلاقات الاجتماعية: يُمكن الاستفادة من التمثيل التخيلي، وألعاب الطاولة، والرسم، أو الفنون التعبيرية.
- للأطفال ممن تزيد أعمارهم على 10 سنوات، والذين يواجهون التنمّر، أو تدني احترام الذات، أو مشاعر الحزن: أنشطة مثل الرسم، والكتابة اليومية (اليوميات)، والألعاب العلاجية تُعد أدوات مفيدة تساعدهم على معالجة مشاعرهم، وتعزيز وعيهم الذاتي.

هل يمكن أن يكون اللعب وسيلة للتواصل مع الطفل عندما يعجز عن التعبير بالكلام؟
يجيب د.وليد العمر: «بكل تأكيد، يمكن أن يكون اللعب وسيلة فعالة للتواصل مع الطفل الذي يواجه صعوبة في التعبير اللفظي عن مشاعره. فاللعب يُعدّ لغة عالمية للأطفال، وعندما يعجز الطفل عن التعبير بالكلمات ـ بخاصة في حالات الصدمة، أو التوحد، أو التأخّر النمائي ـ يُصبح اللعب نافذة لفهم عالمه الداخلي. ومن خلال التمثيل التخيّلي، أو الرسم، أو التفاعل مع الألعاب، يستطيع الأخصائيون النفسيون تحليل مشاعر الطفل، وفهم مخاوفه، واستكشاف أفكاره غير المعلنة، ما يسهم في دعمه، نفسياً وعاطفياً، بطريقة تتناسب مع مستواه الإدراكي».
كيف يمكن للأسرة خلق بيئة منزلية داعمة لصحة الطفل النفسية من خلال اللعب؟
يزودنا د.وليد العمر بحلول واقعية وسهلة التنفيذ، وبنصائح عملية للعائلات، أهمها:
- تخصيص مساحة آمنة ومريحة للعب في المنزل، خالية من المشتّتات والأحكام، حيث يشعر الطفل بالحرية والانطلاق.
- تخصيص وقت يومي للعب، حتى لو كان لمدة 20 دقيقة فقط، إذ يمكن لهذا الوقت القصير أن يُحدث فرقاً كبيراً في حياة الطفل.
- أهمية مشاركة الأهل أطفالهم في اللعب، مع ترك القيادة لهم في اختيار النشاط وتوجيهه، ما يمنحهم شعوراً بالتحكّم والثقة.
- تفضيل استخدام ألعاب مثل المكعبات، الدمى، أو أدوات الرسم، لأنها تُحفّز الخيال وتُعزز التعبير العاطفي.
- الابتعاد عن الشاشات خلال وقت اللعب، والتركيز على التفاعل الواقعي الذي يُثري تجربة الطفل، الاجتماعية والنفسية.
- إفساح المجال للأطفال للتعبير عن «المشاعر الكبيرة» بوسائل إبداعية، مثل الرسم، أو التمثيل.
- تجنّب تصحيح أو مقاطعة أطفالنا عند سردهم قصصاً خيالية لأنّ هذه القصص قد تعبّر عن مشاعرهم العميقة، وأفكارهم غير المعلنة.
- تقديم الدعم من خلال التعزيز الإيجابي، وإظهار اهتمام حقيقي بما يقوم به الطفل.
ويخلص أخصائي الطب النفسي: «في حال استمرار القلق بشأن سلوك الطفل، أو صحته النفسية، يُستحسن استشارة طبيب أطفال، أو أخصائي نفسي مختص بالأطفال، للحصول على توجيه مهني مناسب».