06 أغسطس 2025

كيف نعالج الكوابيس الناتجة عن صدمات الطفولة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

قد ينسى العقل الواعي مشاهد الطفولة القاسية، لكن الذكريات المؤلمة لا تختفي، إذ تظل كامنة في زوايا اللاوعي، تنتظر لحظة ضعف أو ظلام، حتى تعود على هيئة كوابيس متكرّرة، أو أحلام مزعجة تنبض بالخوف، والعجز، والغضب. فما الذي تفعله صدمات الطفولة في أدمغتنا؟ ولماذا يظهر أثرها بعد سنوات طويلة؟ وهل يمكن أن نشفى منها؟

مجلة كل الأسرة

التقينا كوتش ابتهال الجفري، حاصلة على ماجستير في علم النفس، لتجيب عن تساؤلاتنا، وتبدأ بالقول «الصدمة النفسية هي تجربة مؤلمة تسكن النفس، وتخلّف مشاعر سلبية يصعب احتمالها، مثل الخوف، أو الألم، أو الوحدة، وغالباً ما تكون نتيجة موقف عنيف، أو تهديد، أو فقدان. والمشكلة أن أثر مثل هذه الصدمات يكون بالغاً في مرحلة الطفولة، لأن الدماغ والجهاز العصبي حينها يكونان في طور النمو، ما يجعل الطفل أكثر هشاشة وتأثراً. وعلى الرغم من مرور السنوات، إلا أن الصدمة لا تختفي من دون معالجة ومواساة، إذ تخزَّن تفاصيل الحدث في العقل اللاواعي، كآلية دفاعية، حتى لا يتذكر الإنسان ما لا يحتمل، لكن هذه الذكريات تظهر لاحقاً في شكل قلق أو اكتئاب، أو في بعض الحالات، كوابيس متكرّرة، أو استرجاع قسري للحدث، وهو ما يعرف بـ«الفلاشباك». فالأحلام المرتبطة بالصدمات ليست مجرد كوابيس عابرة، بل تحمل مشاهد، أو مشاعر من الحدث الأصلي، وتسبب اضطراباً في النوم، وقلقًا مفرطًا، وقد تجعل الشخص يتجنب النوم خوفاً من استعادتها».

مجلة كل الأسرة

متى تظهر الكوابيس؟

توضح الجفري «قد لا تظهر آثار الصدمة فوراً، فبعض الأشخاص يبدأون برؤية الكوابيس بعد سنوات طويلة من التعرّض للحدث المؤلم، بخاصة إذا لم يتلقوا علاجاً نفسياً مناسباً، فالكوابيس هنا ليست مجرد أحلام مزعجة، بل إشارة إلى جرح نفسي قديم لم يُشفَ بعد، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا نفعل إذا عادت الأحلام لتحملنا إلى ماضٍ مؤلم؟ إذا شعر الإنسان بأن أحلامه تحمل رموزاً، أو مشاعر مرتبطة بماضٍ أليم، من المهم اللجوء إلى مختص نفسي، بخاصة إذا كانت هذه الأحلام تتكرّر، وتحمل سمات الكوابيس المتعلقة باضطراب ما بعد الصدمة، والتي غالباً ما تتضمن مشاعر من الحدث نفسه مثل (حادث، اعتداء، فقد)، تتكرر بشكل يفقد الشخص الشعور بالأمان، وصعوبة الرجوع إلى النوم، وربما تجنبه خوفاً من الحلم، كما يمكن أن تؤدي تلك الكوابيس إلى اضطرابات مزمنة يلجأ بسببها الشخص إلى المهدئات بشكل يؤثر في صحته».

العلاج النفسي يمكّن الإنسان من التمييز بين الماضي والحاضر

العلاج لا يغيّر ما حدث، لكنه يساعد على إعادة كتابة المشاعر المرتبطة بالحدث، وتضيف الجفري «العلاج النفسي يمكّن الإنسان من التمييز بين الماضي والحاضر، ومن فصل الشعور بالحدث عن واقع اليوم، بحيث تبقى الذكرى كحدث قديم لا يحمل معه كل هذا الألم.

ومن العلاجات الفعّالة، التي قد يمزج فيها المعالج بين أكثر من تقنية حسب حالة المريض:

  • العلاج بالتعرّض، أي مواجهة الصدمات وتفاصيل الحدث، إلا أن هذا النوع لا يكون مناسباً لعلاج الصدمات النفسية الشديدة، بخاصة تلك التي تمتد جذورها إلى مرحلة الطفولة، لما قد يسببه من ألم نفسي شديد قد لا يقوى على احتماله كثير من الناس.
  • العلاج بإزالة التحسّس وإعادة المعالجة، وهو الأنسب في حالات صدمات الطفولة الشديدة.
  • العلاج المعرفي والمعرفي السلوكي.
  • العلاج الحسي الحركي، والنفسي الجسدي».
مجلة كل الأسرة

حماية الطفولة مسؤولية تقع على عاتق الأهل

تختم الجفري بنصيحة للأهل، قائلة «حماية الأطفال من الصدمات تبدأ بعدم تعرّضهم للإساءة، ومواساتهم في حالات الألم التي لا يمكن تجنبها، كالوفاة أو المرض، والحديث معهم بصدق بلغة مناسبة لأعمارهم، ومراقبة سلوكهم للتدخل المبكّر عند الحاجة. فرغم قسوة الكوابيس، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى فرصة للفهم والشفاء، فاستكشاف الأحلام المؤلمة في جلسات العلاج، قد يساعد على الوصول إلى مشاعر دفينة، وتفكيك رواسب أليمة، ليصبح الحلم مفتاحاً لفهم الذات، والبدء برحلة التعافي».