15 يوليو 2025

إنعام كجه جي تكتب: رجل خارج الصورة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

في مثل هذا الموسم من السنة، تتحوّل مدينة آرل إلى عاصمة عالمية للتصوير الفوتوغرافي. يسمّونه «شهر الفوتو». وهو تجمّع عريق، حيث تحمل دورته الحالية الرقم 56. وعلى مدى شهر، تجتذب المدينة الفرنسية الجنوبية المصورين، وهواة هذا الفن، من مختلف أرجاء العالم، وتُقام فيها معارض الصور، ويجري الإعلان عن نتائج المسابقات التي يتبارى فيها فنانون معروفون، أو في أول الطريق.

من بين المسابقات واحدة تشرف عليها مجلة نسائية فرنسية معروفة، بهدف اكتشاف المواهب النسائية الشابة في فن التصوير. وقد فازت فيها، هذا العام، مصورة تحمل في بطاقة التعريف بها عدة هويات.. اسمها ديانا مرقسيان، وهي أرمنية كما يدل اسمها، لكنها من أصول روسية، وتقيم في الولايات المتحدة.

كانت أنفاسها تتقطع وهي تقف على المنصة لكي تتسلم جائزتها من يد الممثلة الشهيرة إيزابيل أدجاني، رئيسة لجنة التحكيم. وهي قد فازت بإجماع اللجنة بعد أن قدمت مجموعة صور نابعة من حياتها الشخصية، بعنوان «الأب». والصور ليست استثنائية، ولا من النوع الذي تتجلى فيه زوايا النظر الفنية. إنها موجودة في أدراج ملايين البيوت، مرتّبة في ألبومات معتنى بها، تروي بمجموعها تاريخ العائلة.

نرى في الصور أسرة تجلس لتلتقط صورة عائلية تجمع بين الأم، والأب، والأولاد، والبنات. لكن الأب مقتطع من الصورة. هناك مقص تدّخل لإزالته من وسط المجموعة لسبب من الأسباب. ألم يحدث معكم هذا؟ أن تحفروا إحدى الصور بالمقص، وتحذفوا منها صديقة، أو قريباً ارتكب خطيئة، أو أساء إلى قيمة الصداقة والقرابة وبات غير مرغوب فيه؟

خرج الأب من حياة ديانا مرقسيان عام 1996، حين كانت في السابعة من عمرها. وهي تتذكر أن والدتها أيقظتها في عزّ الليل، وأخذتها مع شقيقها الصغير، لكي يلحقوا بطائرة مسافرة إلى كاليفورنيا، بعيداً عن روسيا، موطن أبيها. كان الاتحاد السوفييتي قد انهار، لكن الأب يرفض المغادرة والهجرة إلى أمريكا. تركت له الأم رسالة في المطبخ تبلغه سفرها مع الولدين. ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره.

طوال سنوات صباها لم يكن والد ديانا سوى شكل مقتطع من الصور التي حملتها الأم معها في الحقيبة. ملامح غائبة، محدّدة بشفرة مقصّ حادٍّ وقاس. ما جعل البنت تشعر بالنقمة على أمّها. من هو ذلك الأب، ولماذا تم إقصاؤه؟

بعد 15 عاماً، تقرّر البنت العودة إلى أرمينيا لترميم تاريخها الشخصي. ستبحث عن أبيها، وتعيد إليه موقعه في الصور. فتشت في دوائر النفوس، والسجل المدني، وسألت في الكنائس، وطرقت أبواب المخاتير. وفي كل تلك الرحلة لم تفارقها الكاميرا، بل سجلت كل مراحلها، ووثقتها في كتاب. فهل نجحت الفنانة الشابة في استعادة والدها من بين فكّي الغياب؟

تستوقفك صور معرض ديانا مرقسيان في مدينة آرل. تتفرج عليها، وتتأكد من أنها تستحق الجائزة. ثم تسترجع في بالك كل تلك الروايات والأفلام والقصص الحقيقية التي دارت حول موضوع البحث عن الأب. من المؤلم أن ينمو المرء من دون جذور.