14 يوليو 2025

التبوّل اللاإرادي عند المراهقين.. الأسباب والحلول ودور الأهل في العلاج

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يعاني عدد من المراهقين التبوّل اللاإرادي أثناء النوم، وهي مشكلة لا تقتصر آثارها على الجوانب الصحية فقط، بل تمتد إلى أبعاد نفسية وسلوكية معقدة، قد تُلقي بظلالها على المراهق، وأسرته بأكملها، بخاصة الأم التي غالباً ما تكون الأكثر تأثراً بمعاناة فلذة كبدها.

ورغم أن الجانب الطبي هام في تشخيص هذه الحالة، إلا أن من الضروري إلقاء الضوء على الأسباب النفسية والبيئية التي قد تكمُن خلف هذه الظاهرة، والتي قد يغفلها الكثير من الأهالي.

أسباب التبوّل اللاإرادي 

يوضح الدكتور محمد صفوان الموصلي، أخصائي طب الأطفال «مشكلة التبوّل اللاإرادي عند الأبناء تشاهد بكثرة في ممارستنا اليومية، فعند عمر 3 سنوات يكون 25 % منهم غير قادرين على التحكم في البول ليلاً، وفي عمر 5 سنوات يكون ما بين 10 إلى 15% منهم غير قادرين على التحكم في البول ليلاً، و5 % عند العشر سنوات، وتقلّ النسبة بين المراهقين في عمر 15 عاماً، إلا أن تأثيرها النفسي يكون أكبر وأعمق، ما يفرض علينا أن ننتبه، كآباء وأمهات، للأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، ومنها:

  • أسباب عضوية: مثل وجود عيوب خلقية انسدادية في المثانة، أو فرط نشاطها، ما يترتب عليه إجراء تصوير أشعة للجهاز البولي، وقد يكون من المناسب إجراء فحص بالأمواج فوق الصوتية.
  • أسباب وراثية: فقد أثبتت بعض الدراسات وجود استعداد وراثي لدى بعض المرضى، حيث وجد أن 32 % من آباء الأولاد المصابين، و20% من أمهاتهم كانوا مصابين بالمشكلة نفسها خلال مراحل طفولتهم، وفي الأغلب لا يبدي الفحص الطبي أيّ مشكلات عضوية للمريض، وبشكل عام، تتحسن هذه الحالات مع الوقت.
  • أسباب نفسية: ناتجة عن أخطاء سلوكية تقوم بها الأسرة، كأن يمارس الأهل ضغوطاً شديدة على المراهق لإرغامه على التحكم في البول، وقد يلجأون إلى الضرب، أو العقاب في حال فشله، وأحياناً تؤدي عوامل أخرى إلى عدم الاستقرار النفسي، والتوتر العصبي لدى المراهق، كما يحدث في حال انفصال الوالدين، أو في حالة وفاة أحدهما، أو وجود ضغوط مدرسية تسهم في زيادة المشكلة، مثل التعرّض للتنمّر، أو ضغط الامتحانات.
مجلة كل الأسرة

ويوجّه الدكتور محمد صفوان حديثه للأهل، قائلاً «التبوّل اللاإرادي ليس ذنباً يفعله المراهق، بل هو حالة طبية أو نفسية خارجة عن إرادته، فلا توجّهوا له اللوم، أو التوبيخ، واحرصوا على دعمه، وطمأنته بأن هذا أمر شائع، وله حلول عملية، مثل تقليل السوائل مساء، التبوّل قبل النوم، الاستيقاظ الليلي المنتظم للذهاب إلى الحمام، الاستعانة بالطبيب لصرف أدوية مؤقتة لتقليل إنتاج البول ليلاً، وختاماً، تجنبوا المقارنات، سواء بأشقائه أو أقرانه، فذلك قد يزيد شعوره بالفشل، أو النقص، وتجمّلوا بالصبر، واستمروا في تطبيق النصائح من دون استعجال النتائج، فمعظم حالات التبوّل الليلي تتحسّن مع الوقت».

الجانب النفسي في مشكلة التبوّل اللاإرادي

ومن جانب نفسي، تقول الدكتورة مهرة آل مالك، أخصائي العلاج النفسي، وأستاذ مساعد في جامعة عجمان «قد يكون التبوّل اللاإرادي نداء استغاثة من قلب خائف أو روح متألمة، وكلما أسرع الأهل في فهم هذا النداء، وتعاملوا معه بوعي، كلما استعادت الأسرة توازنها، وزادت ثقة الابن بنفسه من جديد، فمسألة التبوّل اللاإرادي قد تكون نتيجة:

  •  الضغط النفسي: عندما يعيش المراهق تجارب انفعالية عميقة لا يتمكن من التعبير عنها بالكلمات، يبدأ جسده بالتعبير عن معاناته بطريقته الخاصة، ومن أبرز هذه الطرق التبوّل اللاإرادي أثناء النوم، فالخوف، والقلق، والشعور بعدم الأمان، كلها مشاعر تؤثر في الجهاز العصبي، وتضعف قدرة المراهق على التحكم في وظائفه الجسدية أثناء النوم.
  • العنف الأسري: عندما يعيش الابن في بيئة يغيب عنها الأمان، ويشهد مواقف عنف، سواء كانت موجهة مباشرة إليه، أو إلى أحد والديه، كالأم مثلاً، يصبح مهدداً باستمرار، ما يُفقده الشعور بالطمأنينة، وينعكس ذلك على سلوكاته اليومية، ومنها التبوّل اللاإرادي، فضلاً عن أن العنف اللفظي، أو الإهمال العاطفي، قد يكون لهما التأثير العميق نفسه.

التبوّل اللاإرادي نداء استغاثة من قلب خائف أو روح متألمة

«فالمراهق يحتاج إلى الحنان، والاحتواء، والكلمة الطيبة، لا سيما في مراحل التكوين النفسي الأولى، وغياب هذه العناصر قد يؤدي إلى ظهور مشكلات سلوكية متكرّرة، وفي الأغلب تكون الأم هي أول من يلاحظ هذه المشكلة، وتحاول مواجهتها، وقد تشعر بالإحباط، أو الذنب، أو العجز، بخاصة إذا لم تجد تفسيراً واضحاً لحالته. فمن خلال عملي مع عدد من الأمهات اللاتي لجأن إلى الحصول على الدعم لأبنائهن، ظهرت أنماط متكرّرة تكشف أن ما وراء هذه الحالة في الأغلب، لا يكون السبب عضوياً، بل نفسي وعاطفي، بالدرجة الأول. وأتذكر حالة لأم جاءت تروي معاناة ابنها 14 عاماً، الذي يعاني التبوّل أثناء النوم منذ سنوات عدّة، وتبيّن خلال الحديث أنه يعيش في جوّ أسري متوتر، يُمارس فيه الأب العنف اللفظي على الأم باستمرار، وعلى الرغم من عدم ممارسة أيّ عنف عليه، إلا أنه كان دائم القلق من احتمالية فقدان والدته، أو انفصال والديه، ما جعل ذلك يؤثر فيه سلباً. وحالة أخرى لأم أرملة لديها ابن 12 عاماً، كان يشكو الوحدة والحرمان من الحنان الأبوي، ومع شعوره بالفراغ العاطفي، بدأت تظهر لديه هذه الأعراض بشكل تدريجي».

مجلة كل الأسرة

«والمشكلة الأساسية هي أن كثيراً من الأسر لا تتعامل مع المسألة بوعي، بل تصدر عنها ردود فعل عنيفة، مثل: السخرية، التهديد، الضرب، المناداة بألفاظ جارحة، وللأسف، تؤدي هذه التصرفات إلى تعميق الإحساس بالعار والذنب داخل نفسية المراهق، وتدفعه إلى مزيد من الانعزال، بل وأحياناً إلى الكذب لتجنب الإهانة، فتتحول المشكلة من عرَض بسيط، إلى اضطراب نفسي عميق قد يلازمه لسنوات، بخاصة إذا تعرّض إلى السخرية، أو التنمّر من إخوته. وهنا يصبح الوالدان أمام اختبار تربوي حساس يفرض عليهما أن يمنعا، بكل حزم، هذا السلوك نهائياً، وتعليم الأبناء أن التبوّل اللاإرادي ليس شيئاً مخجلاً، بل حالة تحتاج إلى دعم، فالبيئة الآمنة تبدأ من البيت، وإن لم يُشعر صاحب المشكلة بالأمان داخله، فلن يجده خارجه».

 نصائح للأهل لكيفية التعامل مع الابن الذي يعاني التبوّل اللاإرادي

تقدم د. مهرة استراتيجيات عدّة يمكن أن يتّبعها الأهل لمساعدة ابنهم على التخلص من التبوّل اللاإرادي أثناء النوم:

  • إعادة بناء الأمان الأسري: عبر تخفيف التوتر داخل المنزل، والامتناع عن توجيه اللوم، أو العقاب للابن، والحرص على تهيئة بيئة آمنة خالية من التوتر والعنف، وتحسين العلاقة بين الأبوين القائمة على الاحترام والتقدير.
  • العلاج النفسي: من خلال طلب العون من المختص لمساعدة المراهق على التعبير عن مشاعره ومعاناته النفسية، ومساعدته على التخلص من القلق، أو التوتر الكامن داخله.
  • العلاج السلوكي: مثل تنظيم مواعيد السوائل، الذهاب إلى الحمام قبل النوم، وتقديم حافز أو مكافأة، ولو بكلمات تشجيعية، عند الليالي الجافة.
  • العلاج الدوائي: في حال استمر الوضع بعد سِن معينة، لابد من الفحص الطبي للتأكد من عدم وجود مشكلة عضوية، مع وصف أدوية وعقاقير تحجّم المسألة.