14 يونيو 2025

بعد تنمّر أم على ابنتها في بث مباشر... ما البدائل التربوية لتعزيز علاقتنا بأبنائنا؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

بين المزاح والتنمر، انتشر فيديو مؤخراً لأم عراقية تصف ابنتها بـ«الجلحة» في بث مباشر على التلفزيون. الفيديو لاقى تفاعلاً، وتعرّضت الأم لهجوم كبير وصفت فيه بـ«اللامسؤولة»، وبأنها «تقلّل من شأن ابنتها»، حتى أن البعض أطلق حملة مديح للطفلة «رندة»، مثنياً على جمال ملامحها، ووصفها البعض بـ«الملكة السومرية».

وسرعان ما خرجت الطفلة بفيديو دافعت فيه عن والدتها، وطالبت الجمهور بالتوقف عن مهاجمة والدتها، موضحة أن كلمة «جلحة» (التي تعني قلة الجمال في اللهجة العراقية) قالتها والدتها من باب المزاح، وتسمعها منها داخل المنزل بشكل اعتيادي.

الحادثة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ شرع الوالد (طليق الأم) في طلب إسقاط الحضانة عن الأم بعد حادثة التنمر، ولكن السؤال الرئيسي: هل تنمر الأهل على الأبناء جائز؟ وهل يمكن للجرح الذي يصيب الطفل أن يندمل؟ وكيف؟ وما حدود المزاح الواجب الالتزام به داخل الأسرة؟ وما الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها، كأهل، للتوقف عن التنمر وعدم نقل العدوى بين الأشقاء؟

تصف علياء البحري استشارية إرشاد نفسي، المؤسس والمدير التنفيذي لمركز الياسمين للتدريب، مشهد التنمر بـ«المؤلم»، وتبرر السبب: «المشهد مؤلم، ليس لأن طفلة صغيرة سمعت كلمات جارحة من أقرب الناس إليها فقط، بل لأن هذا الجرح سُجّل أمام العالم كله».

مشاعر الطفل بسبب التنمر اللفظي

وتتوقف عند مشاعر الطفل الذي يتعرض للتنمر اللفظي من أحد والديه على المديين القصير والطويل، خاصة أمام الآخرين، لكون «الكلمة الجارحة قد لا تترك كدمة ظاهرة، لكنها تترك أثراً عميقاً في الروح».. ومن أبرز المشاعر:

  • الشعور بالخزي.
  • انعدام القيمة، والشعور بعدم الكفاية.
  • تدني احترام الذات.
  • تكوين صورة مشوهة عن نفسه.
  • انسحاب، وبكاء أو مقاومة غاضبة.
  • صعوبة في بناء العلاقات.
  • احتمال تكرار نمط الإيذاء في علاقاته المستقبلية.
مجلة كل الأسرة

لماذا يمارس بعض الأهل التنمر اللفظي دون وعي؟وما البدائل التربوية؟

توضح علياء البحري: «غالباً ما يكون التنمر اللفظي من الأهل امتداداً لجراح لم تُشفَ. كثير من الأمهات والآباء تعرّضوا هم أنفسهم للإهانة في طفولتهم، وتربّوا على أن القسوة وسيلة للتربية. من هنا، يعيدون إنتاج نفس الألم، دون وعي منهم. لكن هذا لا يُبرر الأذى، فكل جيل لديه الفرصة ليكسر هذه السلسلة المؤلمة»، مؤكدة أن «التربية لا تعني أن نُربّي الطفل «على يدنا» فقط، بل نُربي أنفسنا أيضاً أثناء رحلتنا معه».

تطرح علياء البحري البدائل التربوية، وتبدأ من:

  • التوجيه الحازم الخالي من الإهانة.
  • التربية بالحب والتفاهم.
  • تعلّم مهارات التواصل العاطفي.
  • القدرة على التعبير عن الغضب دون تجريح.

أبرز العلامات التي تظهر على الطفل حين يبدأ بفقدان ثقته بنفسه نتيجة تنمر الأهل؟

تشرح استشارية الإرشاد النفسي: «حين يبدأ الطفل بفقدان ثقته بنفسه تظهر إشارات واضحة يجب علينا الانتباه إليها مبكراً، أبرزها:

  • الانسحاب الاجتماعي وتفضيل العزلة.
  • الخوف من التعبير عن رأيه.
  • التعلق الزائد أو الانفصال العاطفي.
  • جلد الذات بشكل مستمر.
  • محاولة لإرضاء الآخرين على حساب نفسه.
  • التنمر على الإخوة كوسيلة تعويض نفسية».

تتوقف علياء البحري عند النقطة الأخيرة ومحوريتها في كون التنمر «عدوى»: «أحياناً يتحول الطفل إلى متنمّر على إخوته ليعيد التوازن النفسي لنفسه، هنا تبدأ «عدوى التنمر» في المنزل. ولحماية الطفل لا بد من مراجعة البيئة الأسرية، بدءاً من طريقة تواصل الوالدين، إلى اللغة المستخدمة، ونبرة الصوت»، معيدة التأكيد: «التربية لا تعني فقط «تعديل سلوك الطفل»، بل تشمل تهذيب أنفسنا وتطوير وعينا كآباء وأمهات».

مجلة كل الأسرة

خطوات عملية للأهل لإيقاف التنمر وإصلاح العلاقة

ترى علياء البحري أن تدارك الأمر وإصلاحه يبدأ من تنبه الأهل لأثر كلماتهم، لتبدأ رحلة التغيير ويتم إصلاح العلاقة بأطفالنا، مع الحذر من كون «الكلمة الجارحة لا تُنسى. قد تُقال في ثوانٍ، لكنها تُرافق الطفل مدى الحياة».

من هنا، تزودنا علياء البحري باستراتيجيات مفيدة على صعيد الوعي، وإصلاح العلاقة، وتعزيز علاقتنا العاطفية بأبنائنا، وترتكز هذه الاستراتيجيات على:

  • الاعتراف من الأهل بالخطأ.
  • مراقبة اللغة المستخدمة في المنزل.
  • التوقف المؤقت، أخذ نفس عميق قبل الرد.
  • إعادة صياغة الجمل السلبية أو إعادة صياغة النقد بشكل بنّاء؛ على سبيل المثال: بدلاً من قول «أنت مهمل دائماً»، نقول «أنا زعلان لأنك لم ترتب غرفتك».
  • الاعتذار عند الخطأ: «أنا آسف إن جرحتك، لم أكن أقصد».
  • طلب الدعم عند الحاجة.
  • العمل على أن نكون قدوة لأطفالنا، لأن الأطفال لا يتعلمون مما نقول، بل مما نفعله ونقوله معاً.

وعلى صعيد تعزيز العلاقة العاطفية، تدعو علياء البحري إلى:

  • قضاء وقت نوعي مع الطفل.
  • الاستماع له بصدق، دون مقاطعة.
  • تشجيعه على التعبير عن نفسه بحرية.
  • تجنب المقارنة أو التهكم.

وتخلص علياء البحري إلى تأكيد أن «الطفل هو مرآة للأهل، فليكن انعكاسه جميلاً»، وتبين: «الطفل لا يطلب الكمال من الأهل، بل أن يكونوا صادقين وآمنين له. الطفل مرآتنا الصغيرة… فلنمنحه صورته الجميلة، بالكلمة الطيبة، والنبرة الحانية، والحب غير المشروط».