02 يونيو 2025

أخطاء تربوية تسبب للطفل التلعثم «التأتأة».. كيف نساعده على تجاوزها؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

التأتأة، أو التلعثم عند الأطفال إحدى المشكلات الشائعة التي تظهر بشكل مفاجئ عند الأطفال، وربما تتكرّر معهم فتظهر في سنّ المراهقة أيضاً.

ولكن ما هي التأتأة؟ وما هي أبرز أسبابها؟ وهل هناك أنواع منها؟ وهل يمكن أن تبدأ عند الأطفال في سنواتهم الأولى، ثم تختفي، وتعود مرة أخرى؟ وكيف يتعامل الأهل مع تلعثم أطفالهم؟ وكيف يتجاوزون هذه المشكلة؟ وهل في كل مرّة يجب عليهم عرض الطفل على متخصصين؟

إذا كان طفلك يعاني التأتأة أحياناً، والتي تسبب له الإحراج أمام أصدقائه وأقرانه، فلا تقلقي، «كل الأسرة» تساعدك بخطوات بسيطة، ونصائح فعّالة من الخبراء المتخصصين على تخطّي هذه المشكلة، وعلاج الأمر بأفضل طريقة:

مجلة كل الأسرة

كيف تحدث «التأتأة»؟ وما هي أهم الأسباب المحتملة؟

في البداية، يوضح الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي وعلاج وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، بجامعة عين شمس، أن «التأتأة»، أو التلعثم، عند الأطفال هــي اضطراب عند خروج الكلام، إما أن الطفل يجد صعوبة في النطق، وإما عنده معاناة، أو صعوبة في تسلسل الكلام، ويُعد اضطراب التلعثم من الاضطرابات الشائعة عند الأطفال، والتي تؤدي إلى ضعف قدرة الطفل على التحدث بطلاقة.

ويقول «يرتبط التلعثم، (التأتأة)، ارتباطاً وثيقاً بالشعور بالتوتر، أو القلق، وتتوقف شدّة التلعثم لدى الأطفال على الأسلوب، والطريقة التي يتعامل بها الأهل، والأشخاص المحيطون مع الطفل، ومدى إدراك الطفل لمشكلته.. فكلما تعامل الأهل بطريقة صحيحة مع الطفل، كلما قلت شدّة التلعثم لديه، كذلك كلما قلّ إحساس وإدراك الطفل بمشكلته، كلما قلّت شدّة التلعثم لديه».

ويؤكد د. إيهاب عيد، أن هذا الموضوع شائع، ومتكرّر تقريباً، كل يوم، في العيادة، فالتأتأة عند الأطفال قد تكون جزءاً طبيعياً من تطوّر النطق واللغة، بخاصة إذا كان الطفل يكتسب مفردات جديدة، أو يحاول التعبير عن أفكار معقدة. ومع ذلك، إذا استمرت التأتأة لمدة طويلة، أو أثرت في نفسية الطفل، أو تفاعلاته الاجتماعية، فقد يكون من الهام التدخل.

ويشير أستاذ الطب النفسي إلى أهم الأسباب المحتملة للتأتأة في نقاط عدّة:

  • تطور طبيعي: في هذا العمر قد يعاني الطفل «تأتأة تطورية» بسبب سرعة تطور اللغة لديه.
  • عوامل وراثية: إذا كان هناك تاريخ عائلي للتأتأة فقد يكون لها دور.
  • ضغط نفسي أو اجتماعي: مثل التوتر، أو القلق من مواقف معينة، أو ردة فعل على شيء ما محيط بحياة الطفل، وهنا قد توجد أعراض وعلامات أخرى تشير إلى ذلك، وقد يعبّر عن شكل من أشكال الخجل في شخصية الطفل، وعدم الثقة بالنفس، وهذا يتجلى بتلعثم الطفل أمام الغرباء، وزوال الحالة بينه وبين نفسه، وأمام الوالدين.
  • مشكلات سمعية أو عصبية: قد تكون نادرة ولكنها تحتاج إلى استبعاد.
  • توقعات الوالدين الخاطئة وجهلهم بالتطور الطبيعي للكلام: فيحاولون الضغط على ابن السنتين مثلاً، كي ينمّي قاموسه اللغوي، ويروي قصصاً بجمل تامة.. مثل هذا الاهتمام الزائد بالكلام قد يطوّر التأتأة.
  • ردة فعل الوالدين تجاه التلعثم التطوري الطبيعي قد يتحول إلى مشكلة حقيقية: مثل كثرة تكرار عبارات التوبيخ والتأنيب، مثلاّ (كن حذراً وأنت تتكلم)، أو (تكلم ببطء)، أو (ابدأ من جديد).. هذه التوصيفات المتكرّرة قد تكرّس حالة التلعثم في عقل الطفل، ويقبل بنفسه كطفل متلعثم، وقابل للاستمرار.
  • تقديم كل شيء للطفل من دون طلب باللسان بل الإشارة فقط: يسيء إلى تطور الكلام كأسلوب تعبيري، وعلى الأهل أن يشجعوا الطفل على طلب الأشياء بمسمّياتها.
  • التفكك الأسري وخلافات الآباء وعدم توفر جو هادئ يؤهل الطفل للإحساس بالهدوء النفسي: خاصة إذا أدى ذلك إلى انفصال الطفل عن والديه، في السنوات الأولى من حياته، ما يشعر الطفل بالغربة وعدم الاستقرار، بجانب سوء معاملة الطفل في المدرسة، والحضانة.
مجلة كل الأسرة

متى نقلق من «التأتأة»؟ وكيف نساعد الطفل المتلعثم؟

أما الدكتورة دينا هلالي، استشاري التربية والعلاج النفسي وتعديل السلوك، فتؤكد هي الأخرى أن التأتأة، أو «اللجلجة»، هي عبارة عن احتباس في النطق، ترافقه إعادة متقطعة، بشكل لا إرادي، لجزء من الجملة، أو الكلمة، وفي أغلب الأحوال لا تتعدى أن تكون أكثر من مرحلة مؤقتة. فالتأتأة شيء طبيعي جداً بين عمر 2 إلى 6 سنوات، وتختفي غالباً من تلقاء نفسها عندما يشعر الطفل بالأمان والاحتواء. ولا تتطلب استشارة مختص تخاطب إلا إذا استمرت التأتأة لأكثر من 6 أشهر، أو أثرت بشكل ملحوظ في حياة الطفل، أو إذا كانت التأتأة مصحوبة بتوتر واضح، مثل رمش العينين، أو اهتزاز الرأس، أو إذا كان الطفل يتجنب التحدث، أو يظهر عليه القلق عند الكلام.

وحول أهم الخطوات التي يمكن فعلها لمساعدة الطفل:

1. استخدام أسلوب الحديث المتقطع للكلمات (تهجئة الكلمات)، وهو أقدم علاج للتوتر أثناء الكلام، حيث يتدرب الطفل على الحديث بشكل إيقاعي، وينتقل من السرعة البطيئة لتزداد تدريجياً، وبشكل مرافق نعمد إلى خفض التوتر، بحيث يقتصر حديث الطفل مع الآخرين في البدء بكلمات بسيطة مثل (مرحباً)، أو (جيد)، وبعد فترة ننتقل إلى جمل قصيرة، ومن ثم جمل أطول، وكلما أنجزنا خطوة ننتقل إلى ما بعدها، إلى أن نصل إلى محادثة عادية ومواجهة مع الآخرين.
2. تجنب الضغط على الطفل: لا تطلب منه التحدث ببطء، أو إعادة الجملة بشكل متكرّر.
3. خلق بيئة مريحة: قلل من عوامل التوتر في المنزل، وحاول توفير وقت للتحدث واللعب بحرية. ويمكن تعليم الطفل تمارين الاسترخاء العضلي، والتنفس العميق، ومنحه مزيداً من الحب والتقبّل، وقضاء أوقات ممتعة معه للقيام بأنشطة مختلفة، رياضية ثقافية اجتماعية، لتعزيز الثقة بالنفس.
4. تجنب المقاطعة: لا تقاطع الطفل أثناء حديثه حتى لو كنت تفهم ما يريد قوله.
5. التفاعل بهدوء وصبر: استمع لما يقوله الطفل من دون إظهار قلقك بشأن الطريقة.
6. تمارين وتدريبات نطق: القراءة البطيئة مع الطفل، وتدريبات التنفس والاسترخاء باستخدام ألعاب لفظية خفيفة، تحفز النطق بسلاسة.
7. تنظيم وقت الكلام: خصص وقتاً يومياً للحديث مع الطفل من دون مقاطعة.
8. قلل من الأسئلة المباشرة وبدّلها بتعليقات مفتوحة تشجّع على الكلام.
9. التقليل من التوتر: يساعد الطفل على التعبير عن مشاعره، لذا يجب تجنب التوتر داخل المنزل، قدر الإمكان.
10. استشارة مختص تخاطب: إذا استمرت «التأتأة» لأكثر من 6 أشهر إلى 12 شهراً، أو إذا بدأت بعد عمر 6 سنوات، أو إذا لاحظنا أن الطفل بدأ يتوقف عن الكلام.

مجلة كل الأسرة

نصائح فعالة للتعامل مع التلعثم والوقاية منه

من جهتها، تشير الدكتورة شيماء إسماعيل، استشارية العلاقات الأسرية وتعديل السلوك لدى الأطفال والمراهقين بالقاهرة، إلى أن علاج التأتأة عند الأطفال ليس صعباً، على الإطلاق، فمن خلال فهم طبيعة المشكلة، وتأثيرها في الطفل، يمكن تقليل شدتها، لكنها تحذر بشدة من مسألة التنمّر على الطفل المصاب بالتلعثم لأنها تزيد من سوء حالته، وتؤدي لتدهورها وربما تحوّله إلى شخص عدواني تجاه من حوله، وأحياناً تدفعه إلى العزلة والاكتئاب، وربما قد يصل الأمر إلى مقدمات التوحد.

وتقدم الاستشارية الأسرية مجموعة من النصائح الهامّة والفعالة لتقليل الآثار الناتجة عن التلعثم والعلاج السريع، من أهمها:

  • تخصيص وقت للحوار العائلي مع الطفل، وإغلاق التلفاز، وتجنب أي صوت، أو تشويش قد يفقد الطفل تركيزه أثناء الكلام.
  • تحدث الأهل مع الطفل بصوت واضح وهادئ، ومحاولة التكلم ببطء، وعند تكلم الطفل يجب ألا يقوم أحد بانتقاده أثناء التحدث، ولا يجب تصحيح كلامه، لأن توجيه ملاحظات للطفل قبل البدء بالكلام قد يؤدي إلى تأتأة أكثر.
  • الانتباه جيداً للطريقة التي نتعامل بها مع أطفالنا، فسوء معاملة الطفل، بخاصة خلال السنوات الخمس الأولى من حياته، من دون مراعاة مشاعره، يؤدي إلى اضطراب نفسي يظهر بصورة تأتأة في الكلام.
  • التركيز مع الطفل بجميع حواسنا، وعدم تجاهله وهو يتحدث، ويجب السيطرة على أي تعبير للانزعاج على الوجه حتى لا ينتبه الطفل، ويشعر بالضيق والانزعاج.
  • التحدث مع الطفل بطريقة جذابة والانتباه إلى عدم إجباره على التحدث بالطريقة الصحيحة، أو الضغط عليه، وإعطاؤه بعض الوقت حتى لا يصاب بالقلق أو الانزعاج
  • الإصغاء إلى أطفالنا بشكل عام، أثناء حديثنا معهم، وعدم مقاطعتهم أو التكلم بالنيابة عنهم، وإعطاؤهم الفرصة للتعبير عما يريدون إيصاله، ولا يطلب من الطفل التحدث والقراءة بصوت عالٍ، لأنه لن يكون مرتاحاً، وقد تزداد التأتأة، ومن الممكن تشجيعه على عمل بعض النشاطات التي لا تتطلب الكثير من الكلام.
  •  الكثير من الأطفال يعانون حاجز الخوف والرهبة من الحديث مع الآخرين، حتى أنهم في كثير من المرات نجدهم يعانون العزلة والابتعاد عن الجمهور، حتى لا يواجهوا بالحديث معهم، وبالتالي هم بحاجة إلى حديث الأم معهم باستمرار ليتغلبوا على تلك الرهبة.
  • كما أن الكثير من الأطفال يعانون مشكلات في التحدث، أو عدم القدرة على تكوين مجموعة كلمات، أو جملة مترابطة مع بعضها بعضاً، لإيصال الفكرة للطرف الآخر.. وحديثك مع الطفل وبشكل دائم ومستمر سيجعله أكثر قدرة على التحدث، وعلى تكوين الكلمات بكل طلاقة.
  • جلسات التخاطب: تُعد أفضل طريقة في علاج التأتأة عند الأطفال، حيث يتم فيها التركيز على تعليم الطفل كيفية التحدث ببطء، باستخدام تمارين لإطالة الكلمات، وملاحظة الكلمات التي تحدث فيها التأتأة، وكيفية التعامل مع المواقف التي تزيد من المشكلة، وتصحيح النطق، والتحكم في التنفس.

وفي النهاية، يؤكد الخبراء الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة في علاج التلعثم، وفي مساعدة الطفل على التعايش، والتغلب على التأتأة، أو التلعثم، أو حدوث أي اضطراب في طلاقة الكلام يتسبب بتكرار الأصوات، أو المقاطع، أو الكلمات، أو التوقف أثناء الكلام، ما يجعل التواصل غير سلس. ويقولون إنه لا توجد وسيلة لمنع التأتأة، لكن الوعي بالتغيرات الطبيعية والعلامات غير الطبيعية، هو العنصر الأكثر أهمية لمعالجة المشكلة في مراحلها المبكرة. ومعظم حالات التأتأة عند الأطفال تتحسن تلقائياً مع تقدم العمر، بخاصة إذا تم توفير الدعم العاطفي، والبيئة المناسبة، ومع ذلك، فإن التدخل المبكر مع أخصائي النطق يزيد من فرص التغلب عليها تماماً.

اقرأ أيضاً: التلعثم.. متى يكون خطراً على نفسية الطفل؟