01 يونيو 2025

مع ضغوط الامتحانات المدرسية.. كيف نجنّب أبناءنا الإرهاق العصبي؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

على أبواب الامتحانات المدرسية، يخوض أبناؤنا رحلة من الضغوط التي تؤثر على صحتهم الجسدية والعصبية، وخاصة مع الكم الهائل للمراجعات والدروس. من هذا المنطلق تتبدى أهمية الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية لأبنائنا، حيث إنّ «الإرهاق العصبي» جراء ضغوط الدراسة قد يلقي بثقله على تركيزهم وذاكرتهم وتوازنهم العاطفي والنفسي.

فما أعراض الإرهاق العصبي التي يجب التنبّه إليها؟ وما الاستراتيجيات الوقائية والعملية التي تساعد الطفل على تخطي التحديات بثبات نفسي وصحة متوازنة؟

د.ألكسندر ماشادو
د.ألكسندر ماشادو

يتوقف الدكتور ألكسندر ماشادو، أخصائي علم نفس عصبي إكلينيكي _عيادة  «حكّيني» للصحة النفسية في دبي، عند الإرهاق العصبي وأعراضه واستراتيجيات التعامل معه، مؤكداً أن «الضغط الأكاديمي الزائد دون فترات راحة مناسبة قد يُسبب اضطرابات حقيقية في نمو الطفل»، ويقول: «أعمل منذ أكثر من 25 عاماً، وعايشت العديد من الحالات لأطفال يعانون الإرهاق العصبي الناتج عن الضغوط الدراسية وتوقعاتهم المتزايدة».

ما الإرهاق العصبي؟

يعرّف د.ماشادو الإرهاق العصبي بكونه «حالة من التعب النفسي والجسدي تمتد لفترة طويلة، ويمكن أن تؤثر بشكل كبير على النمو المعرفي والعاطفي للطفل. ويحدث الإرهاق العصبي عندما يرزح الجهاز العصبي تحت ضغط نفسي لمدة طويلة، ما يؤدي إلى حالة من الإرهاق العقلي والجسدي. أما لدى الأطفال، فقد تنجم هذه الحالة عن عوامل عدة مثل التحضير للامتحانات، أو المتطلبات المفرطة التي قد تطلب منهم، أو عدم التوازن بين الدراسة والراحة والترفيه. وقد لاحظتُ خلال ممارستي الإكلينيكية أن الضغط الدراسي إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح يمكن أن يُلحق ضرراً بدماغ الطفل ويؤثر على نموه العاطفي، لا سيما خلال مراحل حرجة كالطفولة والمراهقة».

أعراض الإرهاق العصبي الواجب التنبه إليها

يوضح أخصائي علم النفس العصبي أنه على الأهل التنبه إلى علامات محددة عند أبنائهم، مثل:

  • الإرهاق المستمر أو انخفاض الطاقة والحيوية.
  • الانفعال أو التقلبات المزاجية المفاجئة
  • الصعوبة في التركيز أو ضعف الذاكرة.
  • اضطرابات النوم (الأرق أو النعاس المفرط).
  • شكاوى جسدية، مثل الصداع أو آلام المعدة.
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقاً.

ويؤكد: «إذا استمرت هذه الأعراض لأسابيع أو تداخلت مع الحياة اليومية للطفل فمن الضروري طلب المساعدة المهنية من الأخصائيين. فالضغط الأكاديمي يؤثر على نمو الدماغ، حيث يزيد الضغط المستمر من تنشيط نظام الاستجابة للتوتر، ما يرفع مستويات الكورتيزول ويُضعف الوظائف الإدراكية كالذاكرة والانتباه وحل المشكلات. وفي الحالات الشديدة، قد يُسبب التوتر المزمن اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب واضطرابات النوم، وحتى الإرهاق النفسي».

مجلة كل الأسرة

ما سُبل الوقاية من «الإرهاق العصبي» وما استراتيجيات التخفيف من وطأته عند أبنائنا؟

يقول د.ماشادو: يلعب الأهل دوراً أساسياً في تهيئة بيئةٍ متوازنةٍ وصحية لأبنائهم، وهذه بعض التوصيات العملية في هذا الشأن:

  • اتباع روتين صحي: يساعد على سيطرة الطفل على يومه من جهة تحديد مواعيد النوم والدراسة واللعب، ما يعزز استقراره النفسي.
  • الحرص على أخذ قسط من النوم: يتراوح بين 8 إلى 10 ساعات يومياً.
  • تقديم وجبات متوازنة غنية بالعناصر الغذائية: مثل أوميغا 3، والفيتامينات، والمعادن.
  • ممارسة النشاط البدني بانتظام: فالحركة تفرغ التوتر وتحفز هرمونات السعادة، والنشاط البدني المنتظم يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً.
  • تخصيص فترات راحة أثناء الدراسة: اعتماد تقنية 25 دقيقة دراسة + 5 دقائق راحة، وهي تقنية تحافظ على تركيز الطالب وتجنّبه الإرهاق العقلي.
  • تخصيص وقت للعب أو للأنشطة اللامنهجية: حيث يمكن منح الطفل بعض الوقت لممارسة أنشطة مثل التلوين، أو الرسم الواعي، أو الموسيقى، أو غيرها لتجديد طاقته.
  • تعليم الأطفال تقنيات اليقظة الذهنية: هذه التقنيات تقلل التوتر وتحسّن قدرة الطفل على التحكم في مشاعره.
  • ممارسة تمارين تنفس موجهة: هذه التمارين تهدئ الجهاز العصبي للطفل وتساعده على تحقيق الاتزان.
  • جلسات تأمل قصيرة (5-10 دقائق): تحرّر الطالب من القلق وتحسن التركيز أثناء الدراسة والامتحان، حيث يمكن أن تترك طفلك في مكان هادئ يغمض عينيه ويركز على تنفّسه، مع تطبيق بعض جلسات التأمل.
  • التواصل المفتوح مع الوالدين: تهيئة مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم تُشعرهم بأن الأهل موجودون لدعمهم ومساندتهم.
  • تقدير جهود الأطفال وتقدمهم بدلاً من التركيز فقط على الدرجات والإنجازات: هذا المسار يعزز ثقة الطفل بنفسه حتى لو لم يحقق درجات عالية، ويخفف الضغط النفسي المرتبط بالخوف من الفشل.

إذا لم تتم إدارة الضغط الدراسي بشكل صحيح يمكن أن يُلحق ضرراً بدماغ الطفل ويؤثر على نموه العاطفي

روتين يومي لدعم الصحة العصبية لأطفالنا

في هذا السياق، يقدم د.ماشادو تفاصيل روتين يومي كنموذج لدعم الصحة العصبية والعاطفية عند أطفالنا ويقترح المسار الزمني:

  • عند الصباح: تناول فطور مغذٍّ وممارسة نشاط بدني خفيف.
  • عند الدراسة: التعلم المنظم مع أخذ استراحات منتظمة.
  • بعد الظهر: تناول غداء صحي، تخصيص وقت للعب، أو ممارسة أنشطة لا منهجية.
  • المساء: واجبات منزلية مع استراحات، وعشاء خفيف، ووقت عائلي.
  • وقت النوم: استرخاء (قراءة أو تركيز ذهني) وأخذ قسط كافٍ من النوم.
مجلة كل الأسرة

متى يجب علينا طلب مساعدة متخصصة؟

يجيب د.ماشادو: «إذا استمرت أعراض الإرهاق العصبي أو ساءت فمن الضروري استشارة طبيب نفسي أو أخصائي صحة نفسية. ومن واقع خبرتي، يُمكن للتدخل المبكر أن يمنع العواقب الطويلة الأمد، ويساعد الأطفال على تطوير مهارات تأقلم صحية».

ويخلص: «الإرهاق العصبي لدى الأطفال يعد تحدياً يُمكن التعامل معه بالاهتمام والرعاية والاستراتيجيات المناسبة. فمن خلال اتباع روتين متوازن، وتعزيز التواصل المفتوح، وتعليم الطفل أساليب اليقظة الذهنية، يُمكن للوالدين مساعدة أطفالهم على تجاوز الضغوط الدراسية والحفاظ على صحتهم النفسية والعصبية. وكما أُكرر على مسمع الأهالي في عيادتي: التوازن بين الدراسة والراحة والترفيه ضروري لنمو الطفل بشكل صحي وسعيد».