فوائد نفسية وتربوية.. كيف تقنعين أولادك بالقيام بالأعمال المنزلية دون إجبار؟

كثير من الآباء والأمّهات لا يهتمون بإشراك أطفالهم في أداء المهام المنزلية، ولا يلتفتون إلى النتائج السلبية للأمر على شخصية الطفل في المستقبل، في حين يشكو فريق آخر من الأهل رفض أبنائهم، أو تهّربهم من المشاركة في المهام المنزلية.
أما خبراء التربية والمتخصصون في نفسية الطفل، فيؤكدون أن مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية يمكن أن تسهم، بشكل كبير، في بناء شخصيّاتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، إضافة إلى تخفيف العبء والمسؤولية عن الأمّهات. لذلك فإن الأمر هام للغاية، ويستحق الصبر والمحاولة.
ولكن، لماذا يرفض الأبناء المشاركة في الأعمال المنزلية؟ وما هي أهمية إشراك الأبناء في مهام المنزل؟ وكيف نشجع أولادنا على مساعدتنا على «شغل البيت» من دون إجبار؟..
كل هذه الأسئلة، وغيرها طرحتها «كل الأسرة» على عدد من خبراء التربية وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، للوقوف على رؤيتهم في مسألة إشراك الأبناء في الأعمال المنزلية، وأهميته، وكيف يتم بالشكل الأفضل؟

أهمية مشاركة الأطفال في أعمال المنزل
في البداية، يؤكد الدكتور حاتم صبري، الخبير النفسي المتخصص في تعديل السلوك، بالقاهرة، أن مشاركة الأبناء في الأعمال المنزلية أمر هام للغاية، وتعليمهم الترتيب والتنظيف في مرحلة مبكرة، أمر جيد، ومثمر، لأن مشاركة الطفل في مثل هذه الأعمال سيدفعه إلى الاعتماد على نفسه، وتحمّل المسؤولية منذ الصغر، فيكون منظماً ومرتباً في أمور حياته الأكبر، وأغلب الدراسات تؤكد أن المراهقين الذين يقومون بأداء مهام (أسرية) منزلية، غالباً يكونون أكثر تعاوناً مع المحيط الخارجي، أما الذين يقتصر دورهم على مهامهم الشخصية، فلا يُظهرون أيّ تعاون مع الآخرين.
ويشير الدكتور حاتم صبري إلى أن مسألة إشراك الأبناء في الأعمال المنزلية يتطلب من الأهل مهمة شاقة، حتى لا يتحول الأمر لتصبح الأعمال المنزلية واحدة من تلك الكلمات التي يكره الأولاد سماعها، لأنها تتطلب منهم القيام بمهام غير محببة، كما أنها تمنعهم من اللعب، ويقول «هناك طريقة واحدة لتجنب تلك المعارك، وهي غرس النظرة الإيجابية للأعمال المنزلية من البداية، حتى لا يعتبرها الأطفال عبئاً ثقيلاً، بل جزءاً هاماً من الحياة الأسرية، لذا يجب أن يتعلم أطفالنا أن الحياة تعني المشاركة، فنحن كأسرة واحدة نعيش ونتبادل المنفعة معاً، إذن، يجب أن يعمل الجميع ويتشارك في أداء المهام الأسرية».
وحول أهمية مشاركة الأبناء في الأعمال المنزلية، يرى خبير نفسية الطفل أنه يمكن تحديدها في نقاط عدّة، منها:
- مساعدة الأطفال في الأعمال المنزلية تشعرهم بأنهم قادرون على تحمّل أي مسؤولية موكلة إليهم، بجانب تحمّل مسؤولية أنفسهم.
- إنجاز الأطفال عدداً من مهام المنزل تشعرهم بالبهجة والإنجاز لأنهم استطاعوا فعل ما يفعله الكبار والبالغون، فتزداد ثقتهم بأنفسهم، وبقدرتهم على إنجاز المهام الأخرى في الحياة.
- تحسين العلاقات وتقليل التوتر والمشاحنات بين أفراد الأسرة الواحدة، إضافة إلى تنشئة جيل من الأطفال قادر على إدارة شؤون حياته.
- تعليم الأطفال الكثير من المهارات الحياتية، حيث من الضروري أن نساعدهم على إدراك أن الحياة لا تعني بالنسبة إليهم المذاكرة والتفوق الدراسي فقط، بل هناك مهارات أخرى، يجب عليهم اكتسابها.
- المشاركة في أعمال المنزل تُعد مهارات حياتية هامّة لمستقبل الطفل، لا يجدها في المدرسة، لذا من الهام بمكان، تعلم ذلك في البيت، فهو لن يظل طفلاً إلى الأبد.. كما أن مشاركته في الأعمال المنزلية يبعث إليه رسالة مفادها: إن كونك جزءاً من الأسرة يوجب عليك المشاركة، والقيام بالأعمال المنزلية من أجل المصلحة العامة.
- تكليف الطفل بالأعمال المنزلية قد تساعده على تقدير قيمة العمل الشاق، ما يجعله أكثر وعياً واحتراماً لجهود الآخرين، والإقلاع عن الفوضى التي قد يسببها، والرغبة في الحفاظ على المنزل نظيفاً.
- تساعد أعمال المنزل على تحسين مهارات التخطيط وإدارة الوقت، وهي من أهم المهارات التي سيحتاج إليها الطفل في مستقبله الحياتي، والمهني، والاجتماعي، كما أنها تساعد على زيادة فرص التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة.

لماذا يفشل الأهل في إقناع أولادهم بالمساهمة في «شغل البيت»؟
من جانبها، تشير الاستشارية الأسرية الدكتورة علياء أمين، مدرّبة المهارات الشخصية واستشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة، إلى أن الآباء والأمهات يجب عليهم تدريب أطفالهم على المشاركة في هذه الأعمال الخفيفة، وترى أن ذلك يعلّمهم العديد من مهارات الحياة التي يحتاجون إليها عندما يكبرون، مثل: القدرة على رعاية أنفسهم، وإعداد وجبات الطعام والتنظيف، وتنظيم وحفظ أشيائهم، وينمّي حث الانتماء والمهارات الاجتماعية لديهم، ويشعرهم بأنهم جزء من كيان أكبر وهو الأسرة.
وتضيف «العلاقات الأسرية مبنية على مجموعة من الالتزامات المتبادلة بين أفرادها، ونحن بحاجة إلى مساعدة بعضنا بعضاً، حتى نغرس القيم الأسرية في نفوس أطفالنا، كما أن الانخراط في الأعمال المنزلية يعطي الأطفال خبرة في مهارات العلاقات، مثل التواصل بوضوح، والتفاوض، والتعاون، والعمل كفريق واحد، ويساعدهم على الشعور بالكفاية والمسؤولية، ومن ثم تزداد ثقتهم بأنفسهم، لذلك فإن الأمر يستحق الصبر».
وحول الأخطاء التي يرتكبها الأهل في تعليم الأبناء مهارات الأعمال المنزلية ما يحوّل مهمتهم مع الأبناء لدمجهم في المنزل إلى مهمة شاقة وعنيدة، ترى الدكتورة علياء أمين أن أغلبها يتلخّص في:
1. العديد من الأولياء يرتكبون خطأ كبيراً في حق الأبناء، من الذكور بخاصة، بتدليلهم وعدم إشراكهم في بعض المهام المنزلية، إلى حد أن الطفل يكبر وهو يعتمد على أمه، أو أخته، وغيرهما! فلا يعرف حتى كيفية ترتيب غرفته، أو استخدام المكنسة، وتنظيف الأطباق.
2. الطفل في مرحلة المراهقة، التي غالبا ما تبدأ منذ سن الثالثة عشرة، أو قبل ذلك بقليل، لم يعد طفلاً فقد بلغ من العمر ما يشعره باستقلاله، لذا عليك أن تتفهمي أن هذه المرحلة الحساسة من عمر طفلك تحتاج إلى تعامل خاص، وتوجيه، ورعاية خاصة.
3. إن إعفاء الطفل من المشاركة في أعمال المنزل بداعي التفرغ لأنشطته وواجباته المدرسية، ربما يعزز في نفسه الشعور بالأنانية، وبأن مصلحته الخاصة أهم وأجدر بأن تكون لها الأولوية في حياته، على مساعدة أمه وأبيه في العناية بشؤون البيت.
4. التقدير الخاطئ لمشاركة طفلك في المنزل، حيث أظهري تقديرك لطفلك على مساعدته لك، لكن إيّاك أن تعطيه المال مقابل ذلك، فالمساعدة في المهام الأسرية ليست وسيلة لكسب المال، بل هي واجب كل فرد، ويجب أن يدرك طفلك ذلك.
5. يخطئ بعض الآباء والأمهات في إعفاء الأبناء من أيّ مهام بحجة أن إنجاز المهام بأنفسهم أسرع، وأيسر.
6. يستحسن عدم الإصرار على تعليم الأطفال طوال الوقت، فهم لا يزالون صغاراً، والهدف مثلاً هو دفعهم إلى وضع الألعاب في مكان مخصص لتجنب انتشارها وبعثرتها في البيت، وليس المبالغة في الترتيب والتنظيم.
7. النقد المستمر للطفل من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأهل، إذ يجب أن نتوقع أن الطفل لن ينجز المهمة بالكفاءة التي ستنجزها الأم مثلاً. لذا توقَفي عن نقده، وامدحي القليل الذي أنجزه.
8. استخدام الأعمال المنزلية كعقاب للأطفال والمراهقين أمر خاطئ للغاية، ويخلف لديهم ذكريات سيئة عن الأمر كله، ولن تتغير نظرتهم هذه أبداً، وسيجعل الأمر ثقيلاً عليهم طوال الوقت.

نصائح فعالة لتحفيز طفلك على المشاركة المنزلية
وتتفق معها الدكتورة هايدي المصري، استشارية نفسية الطفل وتعديل السلوك بالقاهرة، في أن المهام المنزلية تلعب دوراً في جعل الطفل شخصاً واعياً وقادراً على تحمّل المسؤولية، وفهم أهمية الدور الذي يلعبه كل فرد من أفراد الأسرة في هذه المسؤولية.
وفي هذا السياق، تقدم مجموعة من النصائح للآباء والأمهات لجعل المشاركة في الأعمال المنزلية أمراً ممتعاً ومهمة مشوّقة للأطفال والمراهقين:
- قد لا تكون الأعمال المنزلية ممتعة لكنها ضرورية، ومعرفة كيفية القيام بذلك، بكفاءة وجودة، هي مهارة حياتية ينبغي للأطفال تعلّمها.
- يجب أن يكون الأب قدوة حسنة لأبنائه، فعندما يرى الطفل حرص جميع أفراد الأسرة على المساعدة، يشجعه هذا على المشاركة. أما إذا وجد أحد الأفراد، كالأم مثلاً، منكّبة على عمل البيت، والأب والإخوة لا يبالون، فلا تتوقع منه سلوكاً مغايراً.
- الطفل الذي يقوم بواجباته المدرسية ويقوم ببعض الواجبات المنزلية، كإعداد مائدة العشاء، أو غسل الأطباق، والاهتمام بأعمال الحديقة، يشعر بأن مسؤولية الاهتمام بالآخرين لا تقل أهمية عن مسئولية الاهتمام بأموره الخاصة، ويعد هذا درساً من الضروري أن يتعلمه الطفل الصغير ليصبح إنساناً إيجابياً متعاطفاً مع من حوله، يميل إلى مساعدة الآخرين، ومحبوباً.
- لا بأس أن تساعد طفلك إذا وجدته غير قادر على إنجاز المهمة، أو عندما تكون المهمة قد أخذت منه وقتاً طويلاً، ويشعر بالملل، لا تنسَ أنه في النهاية أنه طفل، وإصرارك على أن يتم المهمة وحده بلا مساعدة، مهما كانت طويلة وشاقة، سينتج عنه كره الطفل لأعمال المنزل ومحاولة، التهرّب منها.
- الأعمال المنزلية تنقسم إلى قسمين: شخصية، مثل ترتيب السرير وتنظيف الشيء الذي تم استخدامه، وأسرية، مثل تنظيف المنزل وإلقاء القمامة، والأبناء يجب أن يعتادوا المساعدة والمشاركة في كلا النوعين، الشخصي والأسري.
- من الضروري أن توكل مهام منزلية للأطفال بما يناسب أعمارهم، فالصغار يستطيعون مساعدة أشقائهم على طيّ الجوارب، وفرز ألوانها، وأحجامها، في خطوة تجمع بين اللعب والتعلم أيضاً، أما الأطفال الأكبر سناً فيمكنهم القيام بمهام أكثر جدية، مثل ترتيب السرير كل صباح، والتأكد أن مكاتبهم منظمة، ونظيفة، إضافة إلى ذلك، يمكن إشراك الأطفال في اتخاذ القرار، على سبيل المثال يفيد اصطحابهم لشراء طلبات البيت الأسبوعية، ومشاركتهم الرأي في ما يجب شراؤه للمساعدة لاحقاً على الطبخ.
- يجب أن يعرف الأطفال بالتحديد، ما الذي عليهم عمله، فكلما كان الطلب محدّداً وواضحاً كلما سهّل عليهم تنفيذه.
- على الآباء والأمهات أن يدرّبوا أولادهم مبكراً، لأن المهمة تكون أصعب عندما يكبر الأبناء، وكثير من الدراسات تؤكد أن الأشخاص الذين بدأوا مبكراً، في سن تراوح بين الثالثة أو الرابعة من العمر، بالقيام بأعمال البيت كانوا الأوفر حظاً في بناء علاقات اجتماعية ناجحة، وفي التفوق في دراستهم، وفي حياتهم العملية، إضافة إلى الصفات الإيجابية التي تنمو لدى الطفل عندما يقوم ببعض الأعمال المنزلية، من تحمّل المسؤولية، والاعتماد على الذات، وحسن تقدير، وإدارة الوقت، والقدرة على إنجاز المهام.
اقرأ أيضاً:
- حتى لا يصبح طفلك اتكالياً.. اتبع هذه النصائح
- 9 طرق تعلّم بها طفلك الثقة بنفسه