أخذت محررة مجلة فرنسية القلم والورقة، وجلست تحسبها قرشاً قرشاً: كم تبلغ كُلَف إنجاب طفل وتربيته في هذه الحياة؟
الكلفة المقصودة في المعدل المتوسط، أي ليست المعيشة المتواضعة، ولا تلك المرفهة ترفيهاً كبيراً. وقد نشرت المحررة تقريراً موسعاً قسّمته إلى نقاط عدّة: كم يكلّفك الطفل من لحظة الولادة حتى سنّ البلوغ؟ ما هي الفترات العمرية التي تتطلب نفقات أكبر؟ أي تأثير سيكون للولادة في ميزانية العائلة؟ كيف يتغيّر الأمر حين تكون الأم وحيدة تربّي طفلها من دون شريك؟ ما هي المساعدات التي ستحصل عليها الأسرة من الدولة؟ هل يمكن للأسرة أن تستمر في توفير جزء من المرتّب في حال ولادة طفل جديد؟
قد تبدو هذه الحسابات بعيدة عن واقعنا العربي. نحن نؤمن بأن الطفل يأتي ورزقه يأتي معه. بل إن الطفل هو الرزق الكبير في حدّ ذاته. لكن في الغرب فإن لكل حدث طارئ حسابه، ولو بالملّيم والفلس. إن الأسرة تخطّط مالياً للإجازة المقبلة، حال العودة من الإجازة السابقة. ويبدأ التوفير تحت هذا البند، لأن هناك بنوداً أخرى، مثل شراء سيارة، أو إرسال البنت إلى الدراسة في جامعة خاصة.
نفهم من التقرير أن كلفة الطفل من الولادة حتى سن الثالثة هي 490 يورو، في الشهر. وهو رقم يستند إلى دراسات واقعية لجهات رسمية. ويدخل ضمن هذا المبلغ 252 يورو أجرة الحضانة، في حال كانت الأم عاملة خارج البيت. ثم يمضي التقرير في تسجيل ثمن كل حاجة من احتياجات المولود: السرير، عربة التنقل، الثياب، الحفاظات، الألعاب، الحليب، العلاج. وكلّما كبر الطفل ازدادت النفقات، حتى تبلغ 750 يورو، للولد المراهق.
أقرأ التقرير وأنا أشعر بشيء من عدم الراحة. هل يكون أبناؤنا سلعة نتداول سعرها قبل الإقدام على شرائها؟ ومثل أيّ أمّ، عربية أو غير عربية، أفكّر في أطنان السعادة التي منحتها لي الأمومة.. شعور من الدفء، والاعتزاز، والحب، والاكتمال، الذي لا يقدّر بثمن، ولا يوازي القلق، والتعب، والتضحيات. سآخذ القلم وأكتب رسالة لمحررة التقرير المنشور في المجلة، أحكي لها فيها عن البهجة التي تملأ قلبي كلما ناداني حفيدي مستنجداً بي كي يهرب من ساعة النوم المقرّرة، أو من طعام لا يحبه. أتمنى أن أبيع عيني التي أرى بها، لكي ألبّي له طلباته، وأوامره.
أنا عاطفية بشكل لا يليق بمادّيات هذا الزمن.