
دأب الطفل (ع.م) على سرقة الأدوات المدرسية لزملائه داخل الصف الدراسي، ووصلت شكوى إلى الأهل بهذا الصدد. بدا الأهل غير مبالين بفداحة المشكلة، واكتفوا بتنبيه الطفل من دون إرشاده وتوجيهه، ومتابعته لتغيير هذا السلوك جذرياً. بيد أنّ الوضع تفاقم لتكتشف الأم أن طفلها بات «سارقا محترفاً» داخل المنزل، بعد اكتشافها مبالغ مالية سُحبت من رصيدها البنكي عبر البطاقة الائتمانية .
وتعتبر مشكلة السرقة عند الأطفال من أكثر السلوكات تعقيداً التي يواجهها الآباء مع أطفالهم، حيث تختلف الأسباب، النفسية والاجتماعية، المؤدية إلى السرقة، حسب الفئة العمرية، وتبعاً لواقع الطفل، الاجتماعي والأسري.
فما هي أسباب السرقة عند الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة؟ وكيف نتعامل مع هذا السلوك من دون اللجوء إلى العقاب الشديد؟ وما هي أفضل الاستراتيجيات التربوية لتعزيز مفهوم الأمانة والمسؤولية لدى الطفل؟
تفصّل إسراء حسن، أخصائية تخاطب وتعديل سلوك، الأسباب النفسية والاجتماعية التي قد تدفع الطفل إلى السرقة:
عند الأطفال الصغار (2-5 سنوات)
- عدم فهم مفهوم الملكية: الطفل في هذه المرحلة لا يدرك الفرق بين ما يخصّه وما يخص الآخرين.
- حب الاستكشاف: قد ينجذب إلى أشياء ملوّنة أو مثيرة من دون وعي بأنه يفعل شيئاً خاطئاً.
- التقليد: قد يأخذ أشياء لأنه رأى أحداً يفعل ذلك من دون إدراك العواقب.
ومع تقدّم العمر، يبدأ الأطفال بفهم الفروق بين الملكية، والحقوق.
ومن الأسباب المحتملة للسرقة عند الأطفال الأكبر سناً (6-10 سنوات):
- الشعور بالحرمان: قد يشعر الطفل بأن أهله لا يمنحونه ما يكفي من المال مقارنة بأصدقائه.
- التمييز بين الإخوة: بعض الأطفال يسرقون إذا شعروا بأن أهلهم يفضّلون إخوتهم عليهم.
- التأثر بأصدقاء المدرسة: البيئة المحيطة تلعب دوراً كبيراً في تحفيز هذا السلوك.

وفي مرحلة المراهقة.. تورد إسراء حسن أسباب السرقة التي قد تكون ناتجة عن عدة عوامل نفسية واجتماعية:
- الانتقام من الأهل والرغبة في لفت الانتباه: أحياناً يكون دافع السرقة هو جذب انتباه الأهل، أو المعلمين.
- محاولة كسب صداقات في المدرسة: فيسرق مالاً من أهله لشراء أشياء يعطيها لأصدقائه من باب التبجح، أو ليظهر أنه مهتم بهم .
- الاكتئاب: قد يعاني المراهق اكتئاباً يقوده إلى السرقة.
- تاريخ مَرضي في الأسرة: في بعض الحالات، قد يكون هناك تاريخ وراثي مرتبط بهوس السرقة.
ولا تقتصر السرقة على المال، توضح إسراء «قد يسرق الطفل الأدوات المدرسية، الحلويات، الطعام، وحتى الملابس، والمراهق قد يعمد إلى سرقة «الفيب»، والسجائر، أو حتى يشتري خلسة ألعاباً من متجر الألعاب الإلكترونية باستخدام البطاقة الائتمانية لوالديه».

متى تصبح السرقة حالة مرضية لدى الطفل؟
تشرح أخصائية تعديل السلوك «يجب التمييز بين السرقة كتصرف عابر، وبين كونها سلوكاً يحتاج إلى تدخل متخصص. قد يصبح السلوك مرضياً إذا كان الطفل يسرق أشياء يمتلكها بالفعل، ما يشير إلى دافع داخلي غير مبرر».
وتستعرض العوامل التي تؤدي إلى هذا السلوك:
1. الدلال الزائد: قد يؤدي الإفراط في تلبية رغبات الطفل من دون قيود إلى عدم تقديره لقيمة الأشياء، ما يدفعه إلى السرقة.
2. التمرّد والاستقلالية: في بعض الحالات، تكون السرقة وسيلة يعبّر بها الطفل، أو المراهق، عن رغبته في التمرّد، أو تحقيق استقلاله عن الأهل، أو في حال رفض الأهل إعطاءه نقوداً لشراء بعض الألعاب، أو غيرها .
3. اضطرابات نفسية: السرقة قد تكون مؤشراً على مشكلات نفسية أعمق تحتاج إلى متابعة.
ولكن كيف نحدّد إن كان السلوك يحتاج إلى تدخل متخصص، أو يمكن للأهل التعامل معه؟ تجيب إسراء حسن «في البداية، يمكن للأهل محاولة معالجة المشكلة بأنفسهم، من خلال التواصل الهادئ مع الطفل من دون غضب، أو عقاب، مع التركيز على تعليمه مفهوم الملكية بطريقة واضحة. كما يعتبر فهم الأسباب هو الخطوة الأولى لمعالجة المشكلة، فالتربية الواعية قادرة على تصحيح السلوك قبل أن يتحول إلى عادة».
الخطوات الأساسية للتعامل مع السرقة عند الأطفال:
- التحدث بهدوء ومن دون تهديد بالعقاب: عدم التركيز على السلوك نفسه، وشرح الفرق بين ممتلكات الطفل وممتلكات الآخرين، وعدم وصفه بـ«الحرامي»، أو السارق ، بل توجيه الطفل بلطف، ليفهم أن كل شيء له قيمة، ويجب دفع ثمنه.
- عدم تجاهل السلوك، ولكن عدم تضخيمه: الهدف هو توجيه الطفل بلطف، بدلاً من تأنيبه بشكل قاسٍ.
- إعطاء الفرصة للتصحيح: يمكن زيادة المصروف قليلاً، أو مناقشة احتياجاته بدلاً من التركيز على العقاب. وفي حال قام الطفل بسرقة غرض من السوبرماركت، يمكن التحدث معه على الفور، والطلب منه إعادة المنتج إلى السوبرماركت، مع توضيح أنه يجب احترام ملكية الآخرين.
- في حال تكرار السلوك: إذا استمرت السرقة بعد التوجيه الأولي، يمكن اللجوء إلى عقوبات، مثل الحرمان من بعض الامتيازات.* عند تكرار السلوك للمرة الثالثة: إذا استمر الطفل في السرقة على الرغم من كل المحاولات، فقد يكون هناك سبب أعمق يتطلب تدخلاً متخصصاً، مثل استشارة طبيب نفسي، أو مختص سلوكي.

كيف نساعد الطفل على التوقف عن السرقة؟
لمعالجة مشكلة السرقة لدى الأطفال، تورد إسراء حسن بعض الحلول الفعالة:
1. تعزيز الشعور بالعدالة من خلال:
- احتضانه وتزويده بالحنان أكثر، وإشعاره بالطمأنينة.
- التأكد من عدم وجود تمييز بين الإخوة في المصروف أو الهدايا.
- التوضيح له أن الجميع يحصل على ما يحتاج إليه وفقاً لظروفه، ما يقلل من إحساس الطفل بالحرمان.
2. إدارة ماله بشكل مستقل، وزيادة مصروفه، ومحاولة سد الفجوة بين الأبناء، في حال كان هذا أحد أسباب السرقة عبر:
- إعطائه بطاقة مالية (في سِن مناسبة)، تحتوي على مبلغ محدد يساعده على اتخاذ قراراته المالية بنفسه.
- عدم تزويده بأموال إضافية بسهولة، ليشعر بالمسؤولية تجاه إنفاقه.
3. توفير الاحتياجات بشكل مدروس:
- تلبية رغبات الطفل بطريقة متوازنة، حتى لا يشعر بالحاجة إلى السرقة للحصول على ما يريد.
- حتى لو لم يكن بالإمكان توفير كل شيء، يمكن منح الطفل جزءاً ممّا يريده، ليشعر بالرضا.
4. التوجيه غير المباشر:
- مراقبة سلوك الطفل من دون إشعاره بأنه تحت المراقبة.
- إذا قام بأخذ شيء من دون إذن، يمكن إعادته من دون مواجهته مباشرة، ثم العمل على توجيهه بأسلوب هادئ.

استراتيجيات تربوية للتعامل مع مشكلة السرقة لدى الطفل
تزوّدنا أخصائية تعديل السلوك إسراء حسن باستراتيجيات تربوية قد تساعدنا على الحدّ من المشكلة:
- التوعية التدريجية بمفهوم الملكية منذ الصغر.
- البحث عن الأسباب النفسية والاجتماعية المؤدية للسرقة.
- التعامل مع المشكلة بهدوء وفهم السبب الحقيقي من دون عقاب شديد.
- مراقبة البيئة المحيطة بالطفل، أو المراهق، والتأكد من نوعية الأصدقاء المؤثرين فيه.
- عدم تذكيره بالسلوك بتاتاً، واعتباره رسالة إلى الأهل ليعترض الطفل على واقع ما.
وتخلص حسن إلى أن «الحب غير المشروط هو الأساس، فكلمة «أحبك»، واحتضان الطفل وتقبيله، وتوجيه كلمات بسيطة رائعة له، عن كوني أحبه من دون شرط ولا مقابل كأن أقول له «أنا أحبك ليس لكونك تسمع الكلام ولا أحبك فقط لكونك سترد الشيء الذي سرقته، بل أنا أحبك من دون كل ذلك»، هذه العبارات والطمأنينة للطفل كفيلة بأن تنهي أي سلوك سيئ.