غالباً ما تصطدم الأمّهات بعناد أبنائهن، وهو عناد يخرج عن سياق الرفض والتعبير عن الرأي، أو تدعيم وجهة النظر، إلى سياق التعامل مع الأهل كـ«طرٍف ثانٍ»، وليس كعنصر مكمل لهم، ما يضع أولياء الأمور في موضع تساؤل، وبحث عن الأسباب، ومواجهة العناد ، في بعض الأحيان، بالعناد أيضاً.
يتجلى هذا العناد السلبي في بحث الأبناء عن استقلاليتهم، أو للتنفيس عن مواقف سابقة تعرض فيها الأبناء للإيذاء، وتدخل الخلافات بين الزوجين على مسار العلاقة مع الأبناء، ويتمثل العناد بوجهه السلبي، في ظل عدم قدرة الأبناء على التعبير عن احتياجاتهم بشكل صحيح.
فما هي أسباب العناد السلبي لدى الأبناء، وما آثاره، وما الخطوات الواجب القيام بها للحد من هذا العناد، وتحويله إلى عناد إيجابي، لكون العناد ليس سيّئاً في كل أوجهه، بل يعبّر، أحياناً، عن قوة شخصية واستقلالية في الفكر؟
لماذا يعاند الطفل؟
تورد الدكتورة أحلام خطاب، خبيرة تربوية واستشارية أسرية، أسباب العناد لدى الأبناء، وأبرزها:
- الدلال الزائد: من الأسباب التي لا ينتبه إليها الوالدان عند التعامل مع أبنائهما. فالدلال الزائد وتلبية جميع طلبات الأبناء يؤدي إلى ظهور هذا السلوك السيئ، متمثلاً في العناد والرفض لمعظم الأوامر، والنصائح.
- رد فعل لعدم تلبية حاجات الطفل الأساسية مثل الجوع، التعب، أو النعاس: عدم تلبية تلك الاحتياجات تقود الطفل إلى توتر نفسي يظهر بشكل عناد.
- انعكاس لسلوكات الآباء: يمكن أن يكون العناد موجوداً عند الآباء ويقوم الأبناء بتقليدهم. لذلك، علينا مراقبة أفعالنا وتصرفاتنا أمام الأبناء.
- ظروف نفسية وضغوطات اجتماعية يعانيها الأبناء: هذا الواقع الضاغط يؤثر في نفسية الأبناء بشكل سلبي، ويحدث تغييرات لسلوكات، مثل العناد المقصود.
- المحتوى الذي يراه الأبناء عبر الشاشات: يمكن أن يؤثر ما يشاهده الأبناء على الشاشة من مشاهد للعناد، فيقومون بالتقليد من دون قصد، وهذا سبب مهم، بحيث يجب الانتباه إليه، ومراقبة ما يشاهده أبناؤنا.
الآثار السلبية لعناد الأطفال
ثمة تداعيات كثيرة للعناد السلبي ترصدها د. أحلام خطاب، وأهمّها:
- تقويض التواصل الفعّال بين الأهل والأبناء.
- تفاقم التوتر في العلاقة بين الطرفين والتأثير في جودة العلاقة بينهما.
- التأثير في المستقبل الأكاديمي للأبناء.
- التأثير في نمو الأبناء العاطفي والاجتماعي.
طرق علاج عناد الأطفال
ثمة سلوكات، أو أساليب تربوية يجب على الأهل الالتزام بها للفوز بعلاقة إيجابية مع الأبناء، بيد أنّ د. أحلام لا تغفل تأثير بعض العوامل في عناد الأبناء، مثل بيئة الطفل، في بعض الحلول الجذرية لعلاج مشكلة العناد عند الأطفال، والتي تنطلق من بيئة الطفل، ويرسّخها وعي الأهل.
تقول «بعد التعرف إلى الأسباب المؤدية لسلوك العناد، ينبغي التعرف إلى أساليب العلاج المناسبة وأهمّها:
- يجب أن ينشأ الطفل في بيئة، صحية ونفسية واجتماعية، مناسبة لنموه الجسدي والنفسي بشكل طبيعي، للتوصل إلى لسلوك السليم.
- ينبغي على الأهل مراقبة تصرفاتهم، داخل المنزل وخارجه، وأن يكونوا قدوة لأبنائهم.
- عدم فرض أمر معيّن على الطفل، بدلاً من ذلك ترك الخيار للأبناء في بعض الأوقات، مع تبرير السبب وراء الرفض للخيارات الأخرى.
- محاولة تجاهل السلوكات غير المرغوبة، وعدم التركيز عليها، من الطرق الملائمة لهذا السلوك هو في حال كانت لا تسبب ضرراً جسدياً، أو نفسياً. والصبر على ذلك.
- تشجيعهم على السلوكات الجيدة بالمحفزات النفسية والمادية.
- الحوار الإيجابي والتقرب من الأبناء، والتقرب لمعرفة أسباب عنادهم، والتوصل معهم لحل مناسب.
- أسلوب الحرمان غير المفرط من بعض الامتيازات الزائدة التي لا تضر به، وبذلك يتعوّد على عدم تلبية جميع طلباته وشعوره بالقناعة والرضا، وبالتالي عدم الإصرار على الرأي.
خطوات لتعزيز العناد الإيجابي لدى الطفل
تزوّدنا د. أحلام خطاب بخطوات بسيطة نتّبعها قادرة على تحويل العناد السلبي إلى عناد إيجابي.
تقدم خارطة طريق للأهل، وبالأخص الأم، لتحويل مسار العناد السلبي إلى عناد إيجابي، أو حتى لـ«تليين» العلاقة بين الأبناء والأهل، والارتقاء بها إلى مصاف العلاقات المثمرة.
ومن أهم هذه الخطوات:
- لا تلغي شخصية الأبناء: هذا التصرف يفقد الأبناء هويتهم الشخصية، وتعيقهم الحرية المقيدة من قدرتهم على التعبير، واتخاذ القرارات الخاصة بهم، ما يقودهم إلى تجاهل ومعارضة القواعد المفروضة عليهم.
- لا تناقشي الخلافات الزوجية أمامهم: الحديث عن المشكلات الأسرية أمام الأبناء تقودهم إلى انتهاج سلوكات سلبية، منها العناد كوسيلة للتعبير عن توترهم، أو عدم رضاهم عمّا يحدث.
- لا تهملي حوارات الأبناء: من المؤكد أن المشاركة مع الأبناء في حوارات تفتح باباً للتواصل معهم والوقوف على مشاعرهم وإشعارهم بالاهتمام والتقدير، وتساعدهم على التعبير عن أنفسهم من دون خوف.
- لا تفرّقي بين الأبناء مهما كانت الفروقات: قد تشكّل التفرقة بين الأبناء سبباً لعناد أحدهم كردّة فعل على التمييز بينه، وبين أشقائه، وبالتالي، المساواة بينهم هي المدماك الرئيسي لتفادي سلوكات سلبية، وغير واعية من الأبناء.
- تقنين استخدام الألعاب الإلكترونية: الإدمان الرقمي يؤثر سلباً في الأبناء، وفي تحكّمهم في سلوكاتهم، ومن المهم تقنين هذا التوجه وتوفير بيئة متوازنة تحثّ على التفاعل، وممارسة الأنشطة الخارجية.
- لا تكثري من انتقادهم: كثرة الانتقاد تؤدي بالطفل إلى سلوك العناد من باب الاحتجاج، ومن الأولى أن توجّه الأم الأبناء بشكل إيجابي، ويوازن بين نقد السلوك (وليس انتقاد الابن)، وبين التقدير.
- لا تعزلي الأبناء عن المجتمع وبقيود أيضاً: عزلتهم قد تسهم في عنادهم، حيث إن الشعور بالوحدة، والانفصال عن المجتمع يولّد لديهم إحباطاً، ومعه يزداد العناد الموجّه ضد الأهل باعتبارهم السبب. وفي هذه الحالة، لا بد من تعزيز تفاعلهم الاجتماعي، وتعزيز مهاراتهم، وفتح الباب أمامهم للتعبير عن هواجسهم ومواجهة التحديات في بيئتهم الواقعية.