تربية الأبناء والتواصل معهم أصبح من المهام الثقيلة جداً، والخطرة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي منحتهم معرفة لا متناهية عن كل شيء، وأصبح الهاتف المحمول جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، ليل نهار.
وفى المقابل، هناك الكثير من الآباء والأمهات ليس لديهم قدرة على مواكبة التطور التكنولوجي الذي أصبح الأبناء بارعين فيه، فظهرت فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء.
وجّهت «كل الأسرة» مجموعة من الأسئلة إلى عدد من خبراء الطب النفسي وتعديل السلوك وخبراء التربية: كيف نخاطب الطفل في عصرنا الحاضر مع التقدم التكنولوجي وعالم الـ«سوشيال ميديا» بين يديه؟ وكيف يكيّف الوالدان تعاملهما مع الأبناء ليتماشى مع البيئة التي يعيش فيها الطفل اليوم؟ وما هي أهم النصائح للآباء والأمهات للتعامل مع أولادهم في ظل كل هذا العالم الافتراضي الذي يحيط بهم، حتى لا يفلت الزمام؟
تعلّق الأبناء بالتكنولوجيا.. مشكلة أغلبية البيوت
بداية، يؤكد الدكتور أشرف ثابت، أستاذ الأمراض النفسية والخبير في تعديل السلوك بالقاهرة، أن ارتباط الأبناء بشكل مَرَضي بوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل المعرفة مشكلة في كل بيت، حيث ترك الأب والأم، أولادهما تحت رحمة هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تتميز بكثرة مصادرها، وزيادة نوافذها المعرفية، ويجد الآباء صعوبة في التواصل مع هذا الجيل.
ويقول «لابد أن يعي الآباء خطورة ما يتعرض له أبناؤهم، مع مراقبة كل ما يرونه حتى لا يقعوا فريسة سهلة لتلك المعلومات التي يمكن أن تكون ضد الأعراف، والدين، والتقاليد.
وللأسف الشديد، فقد تحوّلت الـ«سوشيال ميديا» إلى قنبلة موقوتة تدمّر كل أُسس ومجهودات البناء التربوي الصحيح للأبناء، فعلى الوالدين التعامل بحرص مع مسألة إعطاء الحرية للأبناء، وتعلّم كل ما هو جديد لمعرفة ومواكبة ما يفعلونه على الموبايل، ولابدّ أن تكون كل حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل تحت أعين الأب والأم».
عندما تتكون الصداقة في فترة المراهقة المبكرة يمكننا حماية أولادنا من كل المخاطر
ومن أكثر الأمور التي يشدد عليها الخبير أشرف ثابت، ضرورة وأهمية تكوين علاقات ودودة وطيبة بالأبناء في كل المراحل، حتى نظل على مقربة من عقل الأبناء، وطريقة تفكيرهم «عندما تتكون الصداقة في فترة المراهقة المبكرة يمكننا حماية أولادنا من كل المخاطر التي تحيط بهم، خاصة في هذا الزخم الافتراضي الذي يحيط بهم من كل اتجاه، فلماذا لا يقوم الأب، أو الأم، باصطحاب المراهق إلى النادي لمشاهدته وهو يلعب مباراة رياضية، أو يشترك معه في لعبة، أو يشاهد معه برنامجاً يحب مشاهدته في التلفزيون، بهدف توطيد العلاقة التي يربطها الحب والمودة؟».
لماذا أصبحنا غرباء في بيت واحد؟
وتتفق معه الدكتورة ميسون الفيومي، أستاذة العلوم السلوكية وخبيرة العلاقات الأسرية بالقاهرة، في ضرورة انتباه الأهل للتحولات الرقمية والتطور التكنولوجي الذي يجعل الأطفال في سنّ صغيرة يقعون تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا المعلومات، وينساقون نحو صداقات العالم الافتراضي، وكذلك الألعاب الإلكترونية التي تدمّر العقول، بدلاً من بناء صداقات حقيقية على أرض الواقع.
وترى أنه يجب على الآباء ضرورة إدراك مخاطر الـ«سوشيال ميديا» على الصغار، والتأثير السلبي في شخصيتاهم، وحياتهم في المستقبل، والقيام بدور مهم جداً مع الطفل، كتكليفه بأي عمل، وشغل أوقات فراغه حتى يشعر بقيمته، وقدرته على المساهمة والإنجاز، وتنمية المهارات لديه، والاهتمام بممارسة الرياضة، فهي بديل ممتاز للألعاب الإلكترونية، وتقوّي عضلات الطفل، وتنمّي عقله، إضافة إلى أنه عند وصول الطفل مرحلة المراهقة ينبغي تشجيعه على المشاركة في أي عمل تطوعي عن طريق النوادي ومراكز الشباب».
يمارس الجيل الجديد من الآباء والأمهات دكتاتورية شديدة مع أولادهم
وحول أسباب الفجوة التي حدثت بين الآباء والأبناء في عصر التواصل الاجتماعي، ترى الدكتورة ميسون الفيومي أن أهمها:
دليل خاص لكل مرحلة عمرية.. والأبناء لا يتشابهون
من جانبه، يؤكد الدكتور باسم سليمان، استشاري الطب النفسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي، أن وجود التواصل الاجتماعي مع الأبناء، وخلق لغة حوار وتفاهم معهم يجعلهم يواجهون مشكلاتهم بسهولة.
ويضيف «للأسف، نحن كمجتمع شرقي نهمل التواصل مع الأبناء، ولا نشبعهم عاطفياً، ما يجعل الطفل ينفلت منا ويلجأ إلى مشاهدة مواقع التواصل، والانشغال بها، والاستجابة لها في كل شيء، من دون وعي، وهذا يُعد كارثة حقيقية، فالآباء تركوا أبناءهم فريسة سهلة لهذه المواقع من دون مراقبة».
ويشدد الخبير النفسي والتربوي على أن التربية الصحيحة تكون حسب الفئة العمرية لكل طفل، فمثلاً الطفل الرضيع الذي لا يتعدى عمره عامين، يجب أن نستخدم معه لغة إيجابية في التعامل لتوجيهه بشكل لا يؤثر في نفسيته، وعدم الصراخ في وجهه والتحدث إليه بهدوء وتعليمه أساسيات كل شيء، حسب عمره. أما الطفل حديث المشي والذي يبدأ عمره من عامين، فيجب أن تنتبه إليه الأم جيداً، وتراقب سلوكاته، وتوجّهه وتعرّفه الصواب والخطأ.
كما أن استخدام أسلوب المدح يؤثر بشكل إيجابي في شخصيته، ولكن ذلك إذا كان يستحق المدح فعلاً، إضافة إلى مساعدته في إتقان مهارات جديدة، كالتلوين، أو الرسم، واللعب بالصلصال، أو قراءة وحفظ القرآن الكريم، وتعريفه بأصول دينه، وتوصيلها له بشكل مبسط، للتقليل من نوبات الغضب في هذه المرحلة العمرية، والتقليل أيضاً من الصراعات بين الأشقاء، وعدم الانحياز لأي طرف من أجل حل المشكلة.
ويواصل د. باسم حديثة قائلاً «أما الطفل قبل دخول المدرسة فيحتاج إلى إعطائه توجيهات خطوة بخطوة، وهنا يجب تعليم الطفل التعامل مع المشاعر السلبية بصورة إيجابية في هذا العمر. ولكن الابن في سنّ المراهقة يحتاج إلى أمور أخرى في التعامل معه، فينبغي أن يحرص الوالدان على الاستمرار في إظهار الكثير من المودة والتقرب إليه، وتخصيص وقت يومي للتحدث معه، والتعرف إلى آرائه وطموحاته، والعلاقات الإنسانية، واحترام الآخر».
الطفل العدواني يتسبب بإيذاء نفسه والآخرين وخلق الخوف بداخله نتيجة لاستخدام العنف معه
ويشدد د. باسم سليمان على أن تربية الأبناء من دون عنف لها أهمية كبرى في تنمية شخصية الطفل، إلى جانب تقديم جرعة عاطفية ونفسية له من أجل استكمال نموه النفسي والاجتماعي، ما يساعده على الاندماج والتعايش مع الواقع، بسعادة ورضا، حيث إن التربية الصحيحة تؤدي إلى الانضباط والتهذيب الذاتي للطفل، وتعوّده على تنفيذ الأوامر بصدر رحب، بدلاً من اتّباع أسلوب العنف الذي يعطي نتائج عكسية، فالطفل العدواني يتسبب بإيذاء نفسه والآخرين، وخلق الخوف بداخله نتيجة لاستخدام العنف معه.
تعلّم كيف تحمي أولادك وتخاطبهم بأفضل وسيلة
وفي السياق نفسه، تؤكد الدكتورة وفاء شلبي، المعالجة النفسية المتخصصة في المشاكل الأسرية بالقاهرة، أنه لا ينبغي أبداً، أن نحمي أولادنا من خلال منع الـ«سوشيال ميديا» عنهم، بل المراقبة الجيدة أمر ضروري، مع إعطائهم الثقة بالنفس، وتدعيمهم في اختيار أصدقائهم الاختيار السليم، وبالتالي، يتولد في داخل كل ابن، أو ابنة، ثقة كبيرة بالنفس، إضافة إلى عدم التقليل من أفكارهم، وعدم مقارنتهم بأحد، وعدم استسلام الآباء والأمهات لسيطرة مواقع التواصل على أفكار الأبناء.
علّمي طفلك إن كان لديه سؤال أن يسألك قبل أن يسأل غوغل أو مواقع البحث
وتقدم الخبيرة الأسرية مجموعة من النصائح تساعد الآباء والأمهات على تقليل الفجوة بينهم وبين الجيل الجديد، وكذلك تساعدهم على التخاطب معهم بالشكل الأمثل:
اقرأ أيضاً:
- كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في صحتك النفسية؟
- كيف نحمي الأبناء من الانفتاح التكنولوجي والتأثيرات الخارجية؟