تحولت مواقع الـ«سوشيال ميديا» إلى جزء مهم في الحياة اليومية لجميع الأعمار، حيث كان لها الفضل في تسهيل الاتصال بشكل ملموس، لكن في المقابل أصابت البعض منا وخاصة من فئة الشباب بإدمان وهوس تقليد «البلوجرز» الذين باتوا يغزون وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنهم تمكنوا من تحقيق قاعدة جماهيرية كبيرة تفوق أشهر الفنانين ولاعبي الكرة.
سألت «كل الأسرة» عدداً من الخبراء والمتخصصين في العلاقات الأسرية والتربوية والعلاج النفسي حول التأثيرات الإيجابية والسلبية من جراء التعلق بمقدمي المحتوى على الـ«سوشيال ميديا»، وكيف يمكن أن يؤثر إدمان مشاهدة الفيديوهات القصيرة على نفسية الأبناء وتفكيرهم ومستقبلهم؟
أسباب وعلامات التعلق المرضي بفيديوهات الـ «سوشيال ميديا»
في البداية، يحذر الدكتور محمد الششتاوي، الخبير التربوي واستشاري تعديل السلوك والعلاج النفسي للأطفال والمراهقين بالقاهرة، من الاستهانة بمسألة إدمان مشاهدة وتصوير الفيديوهات القصيرة على الـ«سوشيال ميديا» خاصة بعد أن تحول هذا الأمر للوسيلة الأكثر والأيسر للشباب لشغل أوقاتهم وتسلية أنفسهم خاصة في شهور الصيف والإجازات.
وقال «إن الهوس بمقدمي المحتوى والبلوجر غير الكثير من أفكار وسلوكيات بعض الأبناء وجعلهم أكثر تمرداً وعصبية على والديهم، وتحولت الفيديوهات القصيرة لروتين حياتي لدى البعض من الشباب سواء ممن يقدمونها فينشغلون بتصوير كل ما يدور في حياتهم، أو بين متلقين يتعلمون ويقلدون ويتطلعون إلى كل ما يقدم خلال هذه الفيديوهات وكأنهم ضرورات للحياة».
وحول علامات إدمان الشباب والأطفال لمشاهدة الفيديوهات القصيرة، يرى الدكتور محمد الششتاوي أنها تتلخص في:
- عندما تصبح الـ«سوشيال ميديا» هي أول شيء يفكر فيه الأبناء بمجرد الاستيقاظ من النوم، حتى أن البعض منهم بمجرد أن يفتح عينيه يشعر وكأنه فاته الكثير أثناء النوم وعليه البحث عن كل ما فاته.
- ونفس الأمر بالنسبة للسهر، عندما نجد أن الأبناء، أو حتى الزوج والزوجة، يقضون ساعات الليل سهراً حتى وقت متأخر أو ربما حتى الصباح لمتابعة الفيديوهات القصيرة والبلوجرز، وهذا أيضاً يعني أن الأمر أثر بشكل كبير في حياتنا وحياة أولادنا.
- حالة القلق والاضطراب الشديدة التي تصيب الأبناء عندما تنقطع هواتفهم عن الاتصال بالإنترنت، تعتبر دليلاً بارزاً على أن الأمر وصل إلى حد الإدمان.
- الانشغال خلال ساعات المذاكرة أو عدم الخروج، أو الامتناع عن أداء الأنشطة اليومية بسبب متابعة هذه الفيديوهات.
- عندما نجد أولادنا يتأثرون بحياة الآخرين وطريقة ارتدائهم ملابسهم وأسلوب حياتهم وطريقة تفكيرهم وطريقة تحدثهم...
- التطلعات المفاجئة التي تصيب الأبناء خلال هذه الأيام والتحول المفاجئ في مشاريعهم يكون بسبب أولئك المؤثرين الذين يتابعونهم ويتأثرون بهم على الـ«سوشيال ميديا».
- النسيان وتأثر الذاكرة، فمن المؤكد أن الإفراط في استخدام مواقع التواصل لفترات طويلة يؤدي إلى النسيان وفقدان القدرة على التركيز وضعف الانتباه.
إيجابيات تقليد النماذج الإيجابية والاقتداء بهم
أما الدكتورة شيماء إسماعيل، استشارية العلاقات الأسرية وخبيرة التربية النفسية للأطفال والمراهقين بالقاهرة، فتحذر هي الأخرى من ترك أبنائنا وبناتنا من الأجيال الجديدة فريسة للفوضى التي تحدث في فيديوهات الـ«سوشيال ميديا» والتي ليس لها أي ضوابط أو معايير حاكمة، فالأبناء يتلقون المعلومات التي تقدم لهم من خلال البلوجرز وكأنها حقائق مسلم بها، ولكنها في حقيقة الأمر الكثير منها أحياناً عبارة عن محتوى سام ومضمون غير لائق لا يتناسب مع العادات والتقاليد.
وتضيف "رغم أننا تربينا من آبائنا وأجدادنا على مبدأ البيوت أسرار وأنه من العيب أن يعرف أحد ما يحدث داخل البيت أو ماذا نأكل وكيف نعيش وأن حرمة البيوت يجب صونها، إلا أن ال«ـسوشيال ميديا»، وخاصة هوس البلوجرز والتقليد الأعمى لهم، جعل بعض الشباب يسعى لنشر فيديوهات ومنشورات يصورون فيها كل ما يدور في حياتهم الخاصة بلا أدنى اعتبار لحرمة البيوت أو الخصوصية، من أجل الحصول على نسبة مشاهدات أعلى، بحيث يتحول ذلك إلى دخل مادي ومكسب سريع بلا أي مجهود".
لكن الاستشارية النفسية ترى أيضاً أنه لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي قامت به مواقع التواصل في تسهيل حياتنا، فهي أداة يمكن تطويعها للحصول على بعض الإيجابيات التي تجعل الحياة أفضل.
ومن أهم الإيجابيات التي يمكن الحصول عليها من طوفان الفيديوهات القصيرة الذي يقدم على ال«سوشيال ميديا» يومياً:
- تبادل الخبرات، حيث يمكن الحصول على الكثير من المعلومات من خلال مشاركة الخبرات بين الأشخاص التي تجمعهم نفس الاهتمامات.
- التعبير عن الرأي، وهو من أهم الوسائل النفسية لتحقيق الطموح والحياة بشكل سوي أن يكون من حق الشخص التعبير عن رأيه، وهذه الفيديوهات تحقق هذا الهدف بشكل جيد.
- حملات التوعية، حيث يمكن الاستعانة بهؤلاء المؤثرين عبر الـ«سوشيال ميديا» في نشر الحملات التوعوية الخاصة بتنوير أفراد المجتمع بالمشكلات والقضايا المختلفة في كل المجالات.
- مساعدة الآخرين في حل مشاكلهم الحياتية وقضاء احتياجاتهم دون مقابل، مثل الاستشارات الطبية والنفسية والتربوية.
وتشدد الدكتورة شيماء إسماعيل على أن الآباء والأمهات يجب أن يكونوا قدوة لأولادهم لأن الأبناء يتحركون ويتكلمون مثل آبائهم تماما فليس من المعقول أن نطلب من الابن أو البنت أن يقلل من الانسياق وراء ترندات الـ«سوشيال ميديا» والهوس بالبلوجرز في حين أن الأب والأم منشغلون ليل نهار بال«سوشيال ميديا» والفيديوهات.
نصائح لحماية الأبناء من هوس التقليد الأعمى لـ«البلوجرز»
وحول أبرز النصائح التي يمكن من خلالها حماية أولادنا وأنفسنا من هوس التقليد الأعمى لمقدمي المحتوى والمؤثرين على ال«سوشيال ميديا»، توضح الاختصاصية الدكتورة نادية جمال، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية وتعديل السلوك في القاهرة:
- بالنسبة للأطفال يفضل عدم تملكهم الهواتف الذكية أو تأخر تملكهم لها ما أمكن، وعندما نسمح لهم بحمل هذه الهواتف يجب وضع ضوابط متفق عليها والتي تحد من العزلة الاجتماعية لديهم.
- إرجاع دور الأسرة الفعال من خلال تصحيح المفاهيم لدى أولادهم وتعليمهم الصواب والخطأ وتنبيههم إلى ضرورة الحفاظ على معلوماتهم الشخصية وأن حياتهم ملك لهم وحدهم وليس للآخرين، مع الأشراف والرقابة الوالدية غير الصارمة.
- توعية الشباب من خلال الإعلام والمسلسلات والدورات التربوية بخطورة الانسياق وراء الشهرة والرغبة الملحة في كسب المال الوفير، من تقديم محتوى سهل أو من كونهم بلوجرز لعرض ملابس واكسسوارات كإعلانات لمنتجات.
- متابعة الأطفال والمراهقين للمشاهير ومقدمي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون إيجابيا في حالة تحديد ولي الأمر للشخصيات التي يتابعها الأطفال، لكن ترك الأمر بدون ضوابط قد يتسبب في إلحاق الضرر النفسي بهم.
- تجنب توجيه الانتقاد الدائم للأبناء والذي يجعلهم أكثر تعلقاً بهؤلاء الذين يعرضون حياة لا تمت للواقع بصلة، خاصة أن شخصية المراهق يتغلب عليها طابع التمرد على السلطة الوالدية أو المعلم، وتوجيه النقد المستمر غير المدروس يجعله يفر إلى العالم الوهمي.
- يجب المشاركة بين الوالدين والأبناء في المضامين التي يتعرضون لها وتقييمها والنقاش حول مدى صدقها وتوضيح الأمر للأبناء بشكل جيد ومقنع، حتى لا يرون الأمر على أنه تعنت غير مبرر معهم.
- يجب على الوالدين إرشاد الأبناء لنماذج من المشاهير الإيجابيين الذين يبثون أفكاراً تربوية وتعليمية بناءة وحثهم على متابعة هذه النماذج والاقتداء بها.
- الوقوف بشكل حاسم وصارم أمام نوبات الهوس بتقليد البلوجرز واليوتيوبرز، من تقاليد فارغة في الاحتفالات الخاصة بالأبناء، إلى احتفالات الأفراح وحفلات التصوير وأعياد الميلاد على طريقتهم، بل وتقليدهم في الحياة اليومية دون النظر إلى ما هو واقع وممكن.
- عدم السماح للأبناء بأن تكون حياتهم مشاع كامل يعرضون كل ما يمر بهم على صفحات الـ«سوشيال ميديا» من خلال «بوستات» وبث مباشر يلغي كل حدود الخصوصية.
- الانتباه إلى البرامج التي تدس السم في العسل خاصة للأطفال من خلال الأفلام الكرتونية التي تحض على العنف والإباحية والانحرافات الأخلاقية، وتحديد المحتوى الذي يشاهده الأبناء
- شغل الأبناء بمجالات ترفيهية أخرى بخلاف ال«سوشيال ميديا» وجذبهم للحياة الواقعية من خلال ممارسة الرياضات والهوايات والرسم والغناء وقراءة الكتب.