مع بداية كل عام دراسي، تتعالى أصوات الأمهات مطالبة بتقديم النصيحة لأبنائهن التي تساعدهم على التكيف والاستعداد للعودة إلى المدرسة، متغافلات أهمية أن يتهيأن نفسياً وجسدياً خاصة العاملات منهن، كون الأم هي أكثر من يقع على عاتقها تحمل أعباء العام الدراسي.
الأم تصارع من أجل الوفاء بالتزاماتها التي تؤديها جنباً إلى جنب مع مهامها الأساسية في العمل، وفي السطور التالية نتوجه بتساؤل يتعلق بهذا الأمر للمختصين، ليقدموا للأمهات بعض النصائح التي تساعدهن على الانتقال السلمي من فترة الإجازة إلى روتين العام الدراسي.
تقول الدكتورة رقية عوض الكتبي، محاضر بكليات التقنية العليا بالشارقة، «عوداً حميداً لكل طلابنا وأمهاتهم بمناسبة بدء العام الدراسي متمنين لهم سنة حافلة بالإنجازات والنجاحات، وكون الأم هي التي تدفع أبناءها للتفوق والتغلب على صعاب العام الدراسي، فتهيئة الأم نفسياً أمر ضروري لاستقبال أي حدث يغير من روتين المنزل، فإذا كانت "شكاية بكاية" متذمرة على تحمل أعباء العام الدراسي فسيشحن الأبناء بنفس الطاقة السلبية وسيكرهون ما تبغضه الأم ويعكر صفو حياتها، أما إذا كانت ملأى بالتفاؤل والنشاط والرغبة في إحداث فارق يتعلق بتفوق أبنائها وإنجازهم لمهامهم الدراسية على النحو المرضي، فسينعكس ذلك على الأبناء وسيقبلون هم أيضاً على العام الدراسي بإقدام ورغبة حقيقية في التفوق، وهو ما ينعكس على المجتمع بشكل عام، فهذا الأمر من شأنه تنشئة جيل واع لدوره».
الروتين اليومي يتيح للأم وقتاً مستقطعاً تستطيع أن تأخذ فيه قسطاً من الراحة
وتلفت د. رقية الكتبي إلى مجموعة من النصائح لتحقيق مسيرة جيدة في العام الدراسي الجديد:
وتضيف د. الكتبي «نجاحي في التوفيق بين عملي وأبنائي اعتمد على عدم تغليب الأول على مصلحة الأبناء، فهم في المقدمة وشعورهم بوجودي بجانبهم أراعي احتياجاتهم النفسية زودني بطاقة كبيرة تساعدني على أن أؤدي دوري في عملي على الوجه الذي يرضيني، وهذه نقطة مهمة. كما أود أن أشير لأمر آخر لا يقل أهمية وهو أن دور الأم في متابعة دروس أبنائها ليس أبدياً، فعندما يصل ابني إلى الصف الخامس أقوم بفطامه تعليمياً، وعندما يحتاج إلى معين في جزء معين يجدني بجانبه أدعمه وأقدم له من خبراتي الكثير، فالأم العاملة بطلة تحتاج دوماً إلى التقدير والامتنان لما تؤديه من دور في حياة أسرتها».
التهيئة النفسية والجسدية للأم
من جانبها، تشير الدكتورة خديجة أحمد البلوشي، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي بجامعة الشارقة، «في خضم زحام برامج العودة للمدارس والجامعات والتركيز على ضرورة تهيئة الأبناء حتى يعودون بطرق صحيحة سليمة تعينهم على أداء متطلبات الدراسة بشكل جيد، وما يترتب على الأسر من دور كبير في العمل على الوصول لأفضل استعداد مادي ومعنوي للأبناء، يجب علينا ألا ننسى في المقابل أهمية استعداد الأم بشكل عام والعاملة بشكل خاص وتهيئتها نفسياً وجسدياً لذلك، إذ يركز كثير من الأمهات على تحضير أبنائهن لمقاعد الدراسة دون أن تدرك أن تهيئة نفسها للعودة لمهام العام الدراسي مصحوبة بمهام إضافية لا تقل أهمية، ولا شك أن ذلك دورها الحقيقي بل وظيفتها الأساسية.
ومن أجل تحقيق أعلى مستويات التهيئة حتى يؤدي الطرفان دورهما باقتدار، بإمكاننا اتباع مجموعة من الطرق أولاها الاستعانة بالله، والدعاء بأن يعين الله تعالى أفراد الأسرة على ذلك، ثانياً ضرورة معرفة المهام والاحتياجات الأكثر أهمية والأكثر ضرورة وترتيبها بحيث تستطيع إنجازها دون الإخلال بأحدها، ثالثاً تنظيم الوقت والخروج من حالة عدم المسؤولية، خاصة في الأيام الأخيرة للإجازة والتي غالباً ما يكون الوقت فيها غير منظم».
وتتابع د. البلوشي « النظرة الإيجابية لمهام المرأة المتعددة تعينها على أداء أكثر من دور بشكل جيد، ويتحقق ذلك باستشعار أهمية ذلك في حياتها وفي حياة أسرتها ومردوده على مجتمعها ليحفزها للمزيد، كما أن تهيئة مكان العمل سواء كان مكتبياً أو ميدانياً من العوامل المساعدة لرفع معدل إنتاجية الفرد، ولا شك في أن النساء تهتم بذلك كثيراً، وهذا ينعكس إيجاباً على حبها للعمل وإنتاجها بشكل فاعل خلال العام الدراسي».
التوازن بين الأولويات.. خير معين
نورة إبراهيم القصير، مستشار أسري ومدرب محترف معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات، توضح «دائماً ما تعيش الأسرة حالة ارتباك وتوتر مع بداية العام الدراسي ويكون هذا الوضع متجسداً في الوالدين وبالأخص الأم العاملة، التي تحمل مسؤولية عام دراسي طويل تقع معظم مهامه على عاتقها، إذ تبدأ معها سلسلة الارتباكات المتمثلة في ترتيب جدول أوقات اليوم للأبناء ثم يليه ترتيب جدول دوامها، وغيرها من الأمور التي تتطلب أن توازن فيها بين مسؤوليتها في العمل وفي البيت. والحقيقة أن نجاح العملية بأكملها يتوقف على هذه النقطة، وهي النجاح في تقسيم الأولويات والتوازن بينها من أجل تخفيف الضغط النفسي الذي يعد عاملاً مربكاً بالنسبة لها، فإن نجحت في تحقيق التوازن استقرت نفسياً وإن لم يحدث ذلك فقد ينعكس سلباً على صحتها وذاتها ومن ثم على الأبناء ومدى تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم النفسية والجسدية».
وتتابع نورة القصير «حتى لا تشعر المرأة العاملة بكل تلك الضغوط المرتبطة بعودة أبنائها إلى الدراسة، يجب عليها:
الأم رغم تصنعها بالقوة إلا أنها دائماً ما تعيش شعوراً دائماً بالذنب تجاه أبنائها
أما المهندسة بشاير المنصوري، كاتبة ومدربة في أسلوب الحياة، فتبين جانباً من التحديات التي تواجهها الأم «بداية دعونا نتعرف إلى أبرز التحديات التي تواجهها الأم العاملة لنتعرف إلى طرق التخلص منها، إذ تعد مهام الأم واحدة من أصعب المسؤوليات في العالم، فالأم تسعى جاهدة لأن تسد في جبهتين مختلفتين ليحاط بها الخوف المستمر من التقصير في أي أمر يتعلق بهما، وحتى وإن تصنعت القوة فهي تعيش شعوراً دائماً بالذنب لوجودها في العمل وتقصيرها في شيء مثلاً لم تجهزه لأبنائها قبل عودتهم من المدرسة. فالأم تتولى مهام تحضير وجبات الطعام لهم ومساعدتهم في الدراسة وتوصيلهم للمدرسة والتعامل مع تقلباتهم المزاجية خاصة المراهقين، وهي دائماً متواجدة لدعمهم في المرض والصحة والمناسبات الدراسية والاجتماعية وصولاً لمساعدة الزوج في توفير احتياجات الأبناء من كماليات وأساسيات، فتشعر أنها في سباق لا يبدو أنه سينتهي ويتكرر كل يوم، علاوة على الشعور بالتقصير والذنب معظم الوقت».
وتقدم بشاير المنصوري نصائح بسيطة تخلص الأم من شعورها بالذنب وتقليل التوتر داخلها:
أسماء نزار ادلبي، دكتوراه في القياس والتقويم التربوي والنفسي، ومديرة مركز أفق الإبداع للتعليم وتنمية المهارات، تقول «لا شك أن مهام ومسؤوليات الأم واحدة من الأصعب والأكثر تحدياً، فتارة تكون تلك الممرضة التي تسهر طوال الليل لمتابعة حالة الأبناء أثناء المرض، وتارة أخرى تكون هذه المعلمة التي تشرح الدروس وتتابع الواجبات، وأحياناً أخرى تكون الأخصائية النفسية التي ترعى وتهتم بالمشاعر وتحتوي المخاوف وتزرع الثقة بالنفس. تلك المهام تتطلب منها الكثير من الصبر والمثابرة والقدرة على التحمل، فبلا شك لا توجد قوة تضاهي قوة تحمل الأم ولا قوة الحب الذي تحمله في قلبها لأبنائها، فمشاعرها الفياضة تجعلها مستعدة لتحرك الجبال وقهر الصعاب من أجلهم، فلا راحة للأم ولا إجازة من مهامها، فنرى أنها تنتقل بين المسؤوليات المتنوعة دون ضيق أو ضجر، فعند إجازة الصيف تكون مسؤولة عن الترتيبات الخاصة بوضع خطط السفر وتنظيم الحقائب واختيار الأنشطة والمخيمات لاستثمار وقت العطلة بالشكل الجيد، كما تقع على عاتقها مجموعة كبيرة من مهام متعلقة بالأبناء مثل تلبية احتياجاتهم الجسدية والعاطفية والتعليمية ومهام تتعلق بالمنزل وأخرى بنفسها وعملها إن وجد، فمع وجود هذه المسؤوليات المتعددة، فإن الأم تواجه تحديات يومية ومستمرة وتحتاج إلى القدرة على التنظيم وإدارة الوقت والمرونة للتعامل معها».
تقدم ادلبي بعض النصائح للأمهات: