كم أم في حياتك؟ هذا السؤال لا يستدعي الكثير من التفكير كون مشاعر الأمومة لا يمكن تجاهلها. فإن تكن لك أكثر من أم، يعني أن تحتفي بالأمومة في أجمل صورها. فالأم كائن استثنائي بين البشر، فهي أصل الوجود، أساس حياة الإنسان ومصيره في عالمه بأكمله، والإنسان تتشكل شخصيته حتى قبل مجيئه للحياة بفضل أمه.
في عيد الأم، يكتفي البعض بأمه ويستغني عن العالم بها، في حين أن كثيرين يقرون بأن ثمة أماً ثانية تحاور عقلهم وقلبهم وترتقي بإحساسهم إلى حد الحب اللامشروط وهو حب يوازي حبهم لأمهم التي أنجبتهم.
فهل لديكم أكثر من أم؟ سؤال طرحته «كل الأسرة» لتتبدى جمالية الحكايات وإنسانيتها:
مهرة محمد حبيب، محظوظة جداً، لديها والدتان: الأم التي أنجبتها والأم التي ربتها.
تروي حكاية عصية على التصديق لندرة حدوثها «أمي التي ولدتني هي أمي، أما أمي الثانية فهي زوجة أبي الأولى والتي ربّتني، لكونها لم تنجب أطفالاً».
كانت البنت الأولى في العائلة وتفرغت زوجة الأب لتربيتها لتكون بالنسبة لها أماً بكل ما تعنيه الكلمة من معاني العطاء والأمومة والحب.
كبرت الطفلة وباتت شابة في الثلاثينات، ومع ذلك لم تترك الأم الثانية على الرغم من عودة أمها التي أنجبتها إلى بلدها الأم مع أبنائها (أي إخوتها).
تقول «بقيت وما زلت مع أمي شيخة أتابع دراستي وأراعيها وكنت أسافر دورياً لأرى والدتي وإخوتي في باكستان. فقد نشأت في بيتها منذ ولادتي وكانت والدتي الأولى متواجدة في البيت نفسه وعندما قررت أمي الأولى العودة إلى بلدها، كنت اخترت البقاء مع أمي الثانية التي ربتني وراعتني وأدخلتني مدرسة خاصة للارتقاء بمستوى تعليمي».
اليوم، مهرة هي القاسم المشترك بين الوالدتين - الضرّتين، حيث قربهما بعد المسافات وباتتا على تواصل دائم، بيد أن مهرة تعترف ومن دون مواربة «أنا أكثر قرباً لأمي التي ربتني. فقد عشت معها لنحو 35 عاماً وما زلنا نتقاسم يومنا معاً وأحاول أن أهتم بها لكونها كبرت في السن وتحتاج إلى الرعاية والعناية».
هذا القرب لا يتناقض مع كونها تكّن الحب لكلا الطرفين «في عيد الأم، أقدم هدية لكلتيهما والحب كذلك، لكني أقر أني أكثر قرباً لأمي شيخة عيسى».
تتماهى مهرة مع شخصية أمها الثانية «أمي شيخة حنونة وقوية في الوقت نفسه. أشعر بأنها امرأة لا تقهر، ومنذ صغري أتمنى أن أكون مثلها، تلك المرأة التي تهتم بنفسها وبالآخرين وتقوم بكل شيء في الوقت نفسه وتجمع بين العطف والحنان والحزم والقوة».
الجدة هي الأم الأكثر حضوراً في حياتي
تبدو إيمان السويدي، رائدة أعمال اجتماعية، محظوظة بأكثر من أم سواء الجدة أو سميحة صديقتها وجارتها أو أمها التي أنجبتها وحتى الخالات التي تقاسمت معهن بعض عمرها.
في المرتبة الأولى، تتوج الجدة أماً بلا منازع، تبين السويدي «جدتي حصة سيف هي أمي وهي من أشاركها أيامي وحتى أني أسكن معها. أشعر بأنها تحمل طاقة حب كبيرة لا يمكن وصفها وتحكي لغة الحب بطريقة تعاملها معي».
ولطالما كانت الجدة منفذاً للهروب من صرامة الأهل وحزمهم. وهكذا تمثل الجدة بالنسبة للسويدي ذاك «الحب اللامشروط»، حيث تقول ضاحكة «سيرة الجدة تذكرك بالحلويات وكم الفرح الذي تغدقه عليك، في حين أن الأم قد تبدو، أحياناً، صارمة إحساساً منها بالمسؤولية وبهدف تربيتنا وفق منظومة قيم لا يمكن الحياد عنها».
كانت السويدي الحفيدة الأولى لعائلة الأم والأب «الإحساس بالأمومة أحاطني من جهات عدة. أذكر خالاتي وبينهن خالتي منال التي كانت تزودني بالحب وتعلمني الكثير من الهوايات كالكروشيه والطبخ وأشياء أخرى».
يتسع محيط الأمومة لدى إيمان السويدي، التي تجد في كل طاقة حب حولها تجسيداً لعاطفة الأمومة، وسميحة صديقتها وجارتها النموذج الأمثل «كانت سميحة جارتي التي تتسم بطاقة حب كبيرة. فقد كنت أداوم في إمارة أبوظبي وكانت تهتم بي وتطمئن علّي وتشعرني بإحساس الأمومة لدرجة أن كل الموظفات في الدوام ينادينها (ماما سميحة )».
توجز السويدي «الأمومة طاقة حب هائلة. وليس شرطاً أن تكوني أماً لتعطي أكثر. فكل من يتسم بالحب يجسد شعور الأمومة بحب وسهولة».
«ماما هيا» تجسيد حي لعلاقة الأم بأبنائها
تفتح قصة «ماما هيا» الباب أمام عاطفة استثنائية، فتلك الأم بحرينية ولكن هواها «إماراتي» وهي التي عاشت في الإمارات أكثر من 60 عاماً منذ ما قبل قيام الاتحاد، حيث شهدت مراحل تطور ونهضة الدولة في أجمل مشاهداتها.
دخلت ثانية المزروعي حياة «الأم هيا» في أحلك ظروفها، حيث قررت من لحظتها أن تناديها بـ«أمي هيا» تجسيداً حياً عن العلاقة القوية التي تربط الأم بأبنائها وتقديم الرعاية لها مع عدد من الشباب المواطن.
تتمسك المزروعي بأمها التي أنجبتها وبـ«ماما هيا»التي أطلّت بها على منافذ من العطاء «كلا والدَتي تحبان بعضهما بعضاً بلا حدود وتتشاركان أحياناً بعض يومياتهما وتقدمان لبعضهما الهدايا، وأمي الأولى توصيني بالاهتمام وبرعاية ماما هيا وعدم التقصير تجاهها».
تقول «أنا جد محظوظة بأن لدّي والدتين:أم أنجبتني وأخرى هي أمي على الرغم من أنها لم تنجبني، وكلاهما تدعوان لي بيسر الأحوال. يكفي أن هناك شخصين يحبانني محبة نابعة من القلب.. بحب حقيقي لا ريب فيه ولا غش».
وعلى الرغم من قربها من أمها الثانية وهي «ماما هيا»، تعترف المزروعي بأنها تحاول ألا تشغلها بأي من همومها «لا أفصح عن أسراري لأي من والدتّي كي لا تحملا همي».
شقيقتي الكبرى كانت أما لي وسندي
رحلت الأم، لكنها تركت الأخت الكبرى أماً وسنداً. تروي إيمان المصري، إعلامية وسيدة أعمال، «أمي رحمة الله عليها تركتني بأيدٍ أمينة مع أختي الأكبر مني سناً لتكون الأم الثانية والحضن الدافئ والسند».
وقفت الأخت الكبرى بجانبها وساعدتها وساندتها في كل مرحلة من مراحل حياتها «هي نعمة وبركة في حياتي وهي مصدر الثقة ومخزن أسراري وطمأنينتي. لقد رافقتني في كل مراحل حياتي».
لم تخذل تلك الأخت – الأم شقيقتها وابنتها (إذا صح التعبير) «وقفت معي بكل ما تستطيع على الرغم من ظروفها وكانت العون على الرغم من مسؤولياتها وكانت السند على الرغم من وجعها والأمان والحب لي ولأختي، حيث كرسّت سنوات طوال من حياتها في رعايتنا أثناء دراستنا الجامعية وتشجيعنا ولم تتخل عنا ولم تتركنا وحدنا في غربتنا أثناء دراستنا».
هي «أختي الحنونة»، كما تصفها «قسم الله حنان أمي بينهما معاً. في عيد الأم، لا يمكنني إلا أن أدعو لها بالفرح وأنا على عهدي بعدم نسيان ما فعلته من أجلي وما قدمته لي وسأبقى على حبي واحترامي وتقديري مهما بعدت المسافات بيننا ليبقى قلبي مملوءاً بدعواتها وحنانها وخوفها علّي».
أمي ثم أمي ثم أمي ووحدها تستأثر بقلبي
تقف وديان نوفل، مطولاً عند السؤال ولا ترصد ملامح أمومة إلا في والدتها، تلك المرأة التي تشاطرها يومياتها وأسرارها وحياتها بحلوها ومرها.
تقول «الفارق في العمر بيني وبين والدتي 16 عاماً، ولذلك اعتبرها الأقرب لي، فهي الصديقة والأخت والرفيقة أكثر من كونها أماً».
لا أحدا خارج دائرة الأم يتماهى مع دور الأم ولو للحظة «لا أحد يمكن أن يكون في مكانتها أو قادراً على استلاب جزء مما أكنه لوالدتي أو أشعر به تجاهها أو تشغل حيزاً من الأمومة في قلبي. أمي وحدها التي تستأثر بقلبي وتعرف كل «صغيرة وكبيرة» عني ونتناقش ونتحاور معاً صديقتين».
فالفارق غير الكبير بين عمر الابنة والأم جعل العلاقة أقرب إلى الصداقة «لو كان الفارق كبيراً بيننا لما تشجعت على بثها بعض همومي في حال وجود ثمة هموم سواء ما يتعلق بصحتي أو عائلتي وغيرها، لكنها صديقتي التي أشاطرها كل لحظاتي ولا أم في حياتي غيرها ولن يتواجد أحد مثلها».
ابنتي «أم صغيرة» في حياتي و«حماتي»أم ثانية لي
الأمومة بحد ذاتها تعد معنى وقيمة ورمزاً، حتى أنها توجد بالفطرة في «أمهات صغيرات» مثل الابنة، كما يقول يوسف محمد (اسم مستعار) «أن يكون لديك ابنة صغيرة، فهو أمر يقترب في حساسيته من المعجزة، ستجد أن هذه الطفلة لديها حس أمومي فطري مُحير، في رهافتها وحنانها واهتمامها بمن حولها، في تقديرها لتعبك، وفي انتباهها للتفاصيل التي قد يغفل عنها الكبار، وفي فرط حساسيتها إزاء ما يتعبك ومحاولة تقديمها المساعدة وفق قدرتها». يعتبر أن سلوكيات تلك الابنة فطرية «الحقيقة، أن هذه الخبرات المكتسبة هي فطرية إلهية اكتسبتها منذ الولادة وبطبيعة جنسها. أنا لديّ ابنة صغيرة، أستطيع أن أؤكد أنها أم صغيرة لي».
ويضيف «في بعض الأحيان تكون «الحماة» أيضاً أماً أخرى، ربما صار ذلك نادراً في زمننا هذا لطغيان فكرة «التخوف من الآخر» وسيادة المصالح في منطق التعامل بين الناس، لكني أعتبر حماتي أماً أخرى لي، فهي لا تقل عن أمي في تعاملها الأمومي معي وطيبتها وحسها المرهف. وأنا سعيد بهذه الأزهار الأمومية الكثيرة في حياتي، وأولها أمي، التي لا تكفي كلمات العالم إيفاء بحقها وتفانيها وما قدمته لي طوال عمري».