في ظل متغيرات العصر وزيادة التحديات التربوية، لم يعد يكتفي الكثير من الآباء والأمهات بخبراتهم وتجاربهم الشخصية في تربية الأبناء، لذا نجدهم وعند أول مشكلة تتعلق بأبنائهم يلجأون لسؤال أصحاب الخبرة من الأخوة والأصدقاء أو الاستعانة بوسائل التواصل لمعرفة الحلول المناسبة لتجارب مماثلة انطلاقاً من مقولة «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، غير آبهين إذا كانت ملائمة أم غير ملائمة.
يرفض المستشار التربوي والأسري معتز غباشي هذه الفكرة، قائلاً «ما يصلح لعلاج مشكلة صحية لا يصلح لعلاج نفس المشكلة لدى شخص آخر لاختلاف قدرات ومناعة الشخص وحالته الصحية عن غيره»، يوضح «أتعجب ممن يحاول الحصول على نتاج تجارب الآخرين في تربية أبنائهم لتكون منهاجاً يتبعه في تربية أبنائه، وللأسف الشديد انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة تقديم الاستشارات التربوية والسلوكية للأطفال عبر الإنترنت، وتحديدًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة جديدة وخطيرة يستخدمها العامة سواء كانوا أمهات أو آباء أو مجرد متابعين نتائجها كارثية لا يصلح تطبيقها على جميع الأطفال بمختلف مراحلهم العمرية فلكل منهم خصائص وسمات وميول ورغبات لابد من وضعها في الاعتبار».
على ماذا يعتمد هؤلاء المهتمون بمجال تربية الطفل من غير المختصين عند تقديم استشاراتهم؟
يوضح غباشي أبعاد هذه السلوكيات «الرغبة في الوصول بالأبناء إلى قمة التربية والنضج والالتزام القيمي أسوة بأبناء الأصدقاء والأقارب، لكن المعضلة تكمن في تمسكهم باتباع نفس الأسلوب في التنشئة بعيداً عن البيئة والعادات والتقاليد، وعدم الاقتناع بأن لكل أسرة خصوصيتها، ولكل ابن من السمات والميول ما يجعله مختلفاً عن الآخر».
يطرح غباشي السؤال البديهي «على ماذا يعتمد هؤلاء المهتمون بمجال تربية الطفل من غير المختصين عند تقديم استشاراتهم؟» ثم يجيب «وفقًا لما تم التصريح به من معظمهم أنهم مطلعون على مناهج التربية من خلال الكتب المتاحة للجميع في المكتبات، بالإضافة إلى ميزانهم الشخصي وحدسهم الخاص، وللأسف تكمن الحقيقة في أن البعض يعتمد على ما يسميه خبرته الشخصية أو حدسه لإعطاء الاستشارات، وهذا خطأ، وهو ما يسمى (علم النفس الشعبي)، حيث يعتمد الإنسان على أُطره الشخصية وآرائه وتجاربه الشخصية لإعطاء الحل أو العلاج، مما يفتح المجال أمام الانحيازات والبعد عن الموضوعية والمنهج العلمي».
يشير غباشي «يؤكد الخبراء أن النصائح التي يتلقاها الأبوان غير صالحة لكل الحالات باعتبار أن أطفال اليوم ليسوا أطفال الأمس وأن لكل عائلة خصوصياتها. وتكمن المشكلة في أن الكثير من الآباء والأمهات يتلقفون التجارب الأسرية الأخرى ويقررون تطبيقها على أبنائهم بغض النظر عما إذا كانت ملائمة لحالة أبنائهم أم غير ملائمة، من حيث البيئة والتعليم والثقافة، وهو ما يمثل مغامرة غير محسوبة العواقب قد تهدد كيان الأسرة بكامله عندما يتسبب التقليد الأعمى لهذه التجارب في صدام بين الآباء والأبناء».
لكل طفل سمات وميول ما يجعله مختلفاً
تؤكد دكتورة القياس والتقويم التربوي والنفسي، مديرة مركز أفق الإبداع للتعليم وتنمية المهارات، أسماء أدلبي، أن ما جاءت به التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال «فتحت آفاقاً جديدة وأحدثت تغييرات عميقة في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، كما أثرت بشكل كبير في كافة أنماط الاتصال الإنساني، حيث فتحت المجال واسعاً لتجسيد مفهوم القرية الكونية وبالتالي اختلف معه مفهوم الخصوصية مما أدى إلى تدخلات وضغوط اخترقت عاداتنا وزعزعت ثقافتنا وهددت سلامة أطفالنا، وبات الخطر أكبر بسبب سهولة النشر وندرة الجوهر وإغراق صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بآراء تربوية هائمة ما بين الحقيقة والافتراض خالية من أي حقائق علمية إلا ما ندر».
تشير أدلبي إلى طبيعة المحتوى المطروح «كلام فلسفي عاطفي يخلو من أي دليل علمي مثبت عن التعامل مع الأبناء، ونصائح تغلب عليها آراء مبنية على التنظير حتى إنها لا ترتقي إلا لحدود التجارب الشخصية يتم تعميمها كحلول سحرية للتعامل مع أي آفة سلوكية أو مشكلة حقيقية تحتاج لرأي مختص، ينتج عنه تذبذب تربوي من الآباء والأمهات مبني على ثقافة الترند trend».
تكشف أدلبي «معاقبة الطفل على سلوك معين مرةً وإثابته على نفس السلوك مرةً أخرى يسبب صراعاً انفعالياً داخل الطفل يجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض، ومؤثراً على اتزانه السلوكي وبناء شخصيته، كما أن اعتماد الأمهات على مراجع خارجية غير كفوءة كارثة تربوية تؤثر في شخصية الطفل وأدائه وقدرته على تحمل المسؤولية وانخفاض في مستوى الثقة بنفسه وعدم تقبل ذاته مسببة مشاكل في التكيف الاجتماعي في المستقبل».
أتعجب ممن يحاول الحصول على نتاج تجارب الآخرين في تربية أبنائهم لتكون منهاجاً يتبعه في تربية أبنائه
معاقبة الطفل على سلوك معين مرةً وإثابته على نفس السلوك مرةً أخرى يسبب صراعاً انفعالياً داخل الطفل