في شهر رمضان المبارك تكثر تجمعاتنا ومناسباتنا سواء مع العائلة أو الأصدقاء، وفي كل تجمع نكتشف مجالاً جديداً يمكننا استغلاله في تعليم أولادنا حب الخير والنفع وغيرها من القيم والأخلاق الدينية التي يفتقدونها.
خبراء الأسرة والتربية ينصحون الأهل باغتنام أجواء الشهر الفضيل وقلوب الأبناء من الأطفال والمراهقون المهيئة لفعل الخير والبحث عن الثواب وابتغاء مرضاة الله عز وجل لترسيخ الأخلاق والقيم المطلوبة لهم كل حسب سنه.
سألت «كل الأسرة» هؤلاء الخبراء المتخصصين في تعديل السلوك وعلاج مشاكل الأسرة: كيف يمكننا استغلال أجواء الشهر الفضيل في تربية قلوب أبنائنا على الإحسان وحب الخير للغير؟
في البداية، يؤكد الدكتور عبد العزيز آدم، استشاري العلوم النفسية وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية بالقاهرة، أن مهمة تربية الأبناء حقاً مهمة شاقة وليست سهلة؛ بل إنها تحتاج لوقت وجهد كبير ويقظة تربوية، وهذه المهمة لا يجب أن تتوقف في شهر رمضان لأنه في الحقيقة فرصة عظيمة وخير معين للمربي لذا يجب أن نحسن استغلال هذه الفترة لمصلحة تربية الأبناء.
ويقول «المناسبات الدينية بشكل عام وشهر رمضان خاصة من أعظم وأهم أوقات التربية، فرمضان أولاً فرصة ذهبية لتعليم الأبناء أداء العبادات والالتزام بها كل حسب سنه لذلك دائماً ما أنصح الآباء والأمهات بتدريب أطفالهم على آداء الفرائض، ومن أجل القيام بذلك يجب أن نخفف من مظاهر الانحلال الأخلاقي المسموع والمرئي التي يتعرض لها أولادنا من قبل وسائل الإعلام والتكنولوجيا تعظيماً لحرمة الشهر الفضيل وتعليمهم أن الذنب مضاعف في رمضان».
وينصح الاستشاري الأسري بتعويد الأبناء على الصيام دون الإثقال عليهم، ولا نكتفي بذلك؛ بل وجب علينا أيضاً شرح فضل الصوم وأجره عند الله ولا نتقيد في ذلك بعمر محدد. فالصيام يعلم الأبناء الصبر والاستقامة ويعودهم على النظام والطاعة وتربية الضمير.
ويرى الدكتور عبد العزيز آدم، أن شهر رمضان والتجمع الأسري في أغلب طقوس الشهر الفضيل تسمح لنا بفتح حوار متبادل ومناقشات مستمرة تظهر للأبناء حب الوالدين وعطفهم وحنانهم، فالصيام يعالج فقدان الأمان لدى الأبناء ويوفر لهم العاطفة الأسرية داخل المنزل، فليالي رمضان والعيد حقاً فرصة ذهبية للتقرب من الأبناء وإشعارهم بالأمان وعناقهم لتخليصهم من مشاكلهم النفسية خاصة في مرحلتي الطفولة والمراهقة.
كما يشير الدكتور عبد العزيز آدم إلى أن أجواء رمضان لها دور فعال في مواجهة الخطر الأكثر تأثيراً على المراهقين والأطفال وهو إدمانهم على استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل زائد سواء كانت هواتف محمولة أو أجهزة «تابلت» و«لاب توب» وهو ما يؤثر سلباً في القدرات التواصلية والمهارات الاجتماعية ويصبحون أكثر عزلة وانطواء، ويضيف «يمكن للوالدين استغلال شهر رمضان للتقليل من مخاطر الويب في هذه المرحلة وتهيئة الأبناء نفسياً لاغتنام ما تبقي من رمضان والعيد وما بعدها للاستمرار في الطاعة والعبادة وذكر الأجر والفضل العظيم لمن أحسن استغلال رمضان، فمثلاً الابن الذي تعود لأول مرة في حياته على قراءة القرآن ينبغي أن نشجعه على الاستمرار في ذلك وكذلك الطفل أو الابن الذي تعود في رمضان على الصلاة في المسجد ينبغي عليناً أن نشجعه على الاستمرار فى ذلك».
وتتفق معه الدكتورة شيماء إسماعيل، استشاري العلاقات النفسية والأسرية والاجتماعية بالقاهرة، في أنه يجب الحديث مع الأبناء عن فضل رمضان وعظمته وتعليمهم أحكام الصيام واحتساب إدخال السرور والبهجة بالاستمتاع بلمة الأسرة والتجمعات العائلية على الإفطار والسحور لإظهار الفرح والسرور بشهر القرآن، مع خلق جو من التشجيع والتنافس بينهم على الطاعات ومكافأتهم على ذلك كي تتعلق قلوبهم بهذا الشهر ويعظمونه.
وتنصح استشاري العلاقات الأسرية باستغلال ما تبقى من رمضان وتعويد الأبناء على عمل صندوق صغير بالتعاون بين الجميع لجمع صدقات من الموجودين بكل تجمع، وإعطاء المهمة للأبناء بتذكير الحضور بفضل الصدقة وأهميتها خصوصاً في شهر رمضان شهر تضاعف الحسنات والخير. فهذا الفعل بالإضافة إلى ثوابه وعظم أجره، فهو يساعد الأبناء على زيادة ثقتهم بأنفسهم، وتطوير مهاراتهم الحوارية والتقديمية. وبعد جمع مبلغ مناسب من الصدقات والتبرعات قوموا باصطحاب أبنائكم إلى إحدى المؤسسات الخيرية الموثوقة أو اذهبوا بأنفسكم إلى بعض الحالات المحتاجة وشاركوا أبناءكم في توصيل الصدقات لمن يستحق. وبهذا نزرع في أبنائنا قيمة الإحسان والإحساس بهموم واحتياجات الغير، وكيف يمكننا تحويل كل تجمع وصحبة إلى صحبة خير.
كما ترى الدكتورة شيماء إسماعيل أنه يجب استغلال شهر رمضان في تشجيع الأبناء على مساعدة أمهم في أعمال المنزل ليتدربوا على تحمل المسؤولية وحتى تستفيد هي الأخرى من الوقت، كما يجب استغلاله في تغيير العادات السيئة إلى عادات حميدة وجيدة، فمثلاً تجنب الإسراف في الطعام والتقليل من الأطعمة السريعة والمعلبة والوجبات غير الصحية، وتبين «إن الأم والأب مسؤولان عن هذه المهمة فلا يجب أن نترك أولادنا في رمضان يتعلمون الكسل والنوم متأخراً والسهر والجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة وإلا ضاع رمضان ولم يتبق لنا منه سوى الجوع والعطش».
أما الدكتورة إيناس إحسان، استشاري التربية وتعديل السلوك في القاهرة، فترى أن هذا الشهر العظيم، فرصة لتقوية الترابط الأسري وصلة الرحم، فالأسرة تجتمع غالباً مرتين في اليوم على مائدة الطعام، ويزداد ترابط أفراد الأسرة بعضهم بعضاً، وهذا بالتأكيد له تأثير على تماسك شخصية الطفل وقوتها فالطفل الموجود في أسرة متماسكة ومترابطة يكون أكثر استقراراً نفسياً وذهنياً وعقلياً من الطفل المنتمي لأسرة مفككة أو الأرحام فيها مقطوعة.
وتوضح «يجب أن نستغل تبادل الزيارات بين أفراد الأسرة واجتماعهم على مائدة الإفطار لأنه يغرس في نفس الطفل أهمية صلة الرحم وعدم قطعه، ودائماً ما أطالب الأسر المسلمة باستثمار شهر رمضان واتخاذه نقطة انطلاق نحو التغيير للأفضل لكل الأفراد في الأسرة وليس الأبناء فقط ليتحقق الاستقرار والهدوء والسكينة في حياة الصائمين. فالاجتماع على سجادة الصلاة واصطحاب الأبناء لصلاة التراويح كفيل بتعويد الأبناء على الصلاة لذلك يجب الاستمرار على هذا النهج لما بعد رمضان».
وتشدد د.إيناس إحسان على الوالدين عدم التغافل أو التناسي بمنح الأبناء مكافأة ولو صغيرة أو معنوية من خلال العبارات التشجيعية إذا ما التزموا بسلوكيات إيجابية خلال شهر رمضان وتخلوا عن العناد والمكابرة وتحولت سلوكياتهم في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية للأفضل، لأن هذا الأمر يزيد من حماسهم من تكرار هذه السلوكيات مرة أخرى والاستمرار عليها طول العام؛ بحيث تصبح سلوكاً دائماً لهم.
ومن جانبه يرى الدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري التربية والعلاج النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، أن أغلب المشاحنات والاضطرابات في العلاقات الأسرية تذوب في شهر رمضان فهو حقاً شهر الغفران والتسامح، لذلك يجب استغلال الفرصة لفتح صفحة جديدة بين الآباء والأبناء والبدء في الصلح ونسيان الماضي وغرس البذل والمحبة والتضحية مكانهما، ويقول «فمثلاً الأب الذي لا يتوقف عن لوم أولاده ونقدهم والتجريح لهم عليه أن يستغل الصيام وجو المحبة واللمة ويتوقف عن ذلك ويمسك لسانه عن التجريح في الطرف الآخر.
فمظاهر التقوى والورع في سلوك الأسرة والتي تسود خلال الشهر الفضيل إذا ما تم تدعيمها وتقويتها لتستمر مع الأسرة خلال بقية أيام العام ستختفي المشكلات والنزاعات الأسرية في مجتمعاتنا. فالأطفال تربة خصبة تستقبل وترعى ما يغرس فيها من نبت سيئ أو طيب والخطر أن نتجاهل أهمية الغرس المبكر للدين والعبادة في نفوس الأطفال».
ويرى استشاري العلاقات الأسرية، أن الأم يقع عليها العبء الأكبر في تصفية الأجواء خلال الشهر الفضيل سواء بين الأب والأبناء أو بين الأبناء وبعضهم بعضاً، فهي مطالبة بضبط النفس والتعامل مع أسرتها على أنها هي المدرب الذي يخلق منهم فريقاً متجانساً يعامل كل منهم الآخر بلطف واحترام.
ويشدد الدكتور أحمد فوزي صبرة، على ضرورة الاستمرار فيما بعد رمضان على عادة تجمع أفراد الأسرة على مائدة واحدة تجمع أفراد الأسرة، لأن هذا الأمر يجعل بينهم دائماً دفئاً وحميمية، ويحذر من سلوكيات الجيل الجديد الذي أصبح يتناول طعامه خارج البيت أو داخله في أوقات مختلفة ويرى أن ذلك يجعل أفراد الأسرة غرباء تحت سقف واحد.
رمضان فرصة ذهبية لتعليم الأبناء أداء العبادات والالتزام بها كل حسب سنه
لنزرع في أبنائنا قيمة الإحسان والإحساس بهموم واحتياجات الغير
تبادل الزيارات بين أفراد الأسرة واجتماعهم على مائدة الإفطار يغرس في نفس الطفل أهمية صلة الرحم وعدم قطعه
يجب استغلال رمضان لفتح صفحة جديدة بين الآباء والأبناء والبدء في الصلح ونسيان الماضي وغرس البذل والمحبة والتضحية مكانهما