15 يوليو 2021

كفالة واحتضان الأيتام.. ما الفرق بينهما؟ و ما موقف الشرع والقانون؟

محررة متعاونة

محررة متعاونة

كفالة واحتضان الأيتام.. ما الفرق بينهما؟ و ما موقف الشرع والقانون؟

أثار الجزء الثاني من مسلسل «ليه لأ» الذي عرض مؤخراً ضجة كبيرة في مصر والعالم العربي خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تناول المسلسل قضية التبني وفتح ملف احتضان الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية والعقبات التي تتعرض لها الأسرة أو الشخص الذي يقرر احتضان طفل وكفالته. وعلى أصداء الضجة التي أحدثها المسلسل، كشفت وزارة التضامن المصرية أنها استقبلت أكثر من 2700 طلب كفالة وهو أكبر عدد من طلبات الكفالة يتم تقديمه في عام واحد في تاريخ الوزارة، مما يعد تغييراً إيجابياً، مشيرة إلى أن هذه الطلبات جميعها قيد البحث حاليًا من خلال لجنة تضم ممثلين من وزارات الداخلية والعدل والصحة وخبراء اجتماعيين.

أرجعت وزارة التضامن الفضل في تغيير النظرة الضيقة التي كان ينظر بها المجتمع لكفالة الأطفال أو الاحتضان إلى الرسالة المهمة التي حملتها أحداث مسلسل «ليه لأ» خاصة أن قضية الاحتضان لم يتم تسليط الضوء عليها كثيراً.

طرحت «كل الأسرة» قضية تبني الأطفال والأسر البديلة على عدد من أساتذة القانون والتربية والدين وخبراء الاجتماع والعلاقات الأسرية وسألتهم عن الفرق بين الكفالة والاحتضان والتبني، وهل الفتاة التي لم تتزوج مؤهلة نفسياً واجتماعياً لرعاية طفل بالاحتضان، وكيف تتعامل الأسرة البديلة نفسياً مع الطفل وتؤهله للاندماج بين أفرادها، وهل يجب اطلاع الأطفال على كافة الحقائق أم من الأفضل إخفاؤها، وما هو الرأي القانوني والشرعي في هذه القضية.

أوضاع الأطفال مجهولي النسب بدأت تتحسن بالتدريج بعد إجراء عدد من التعديلات التشريعية على قانون الطفل

مسلسل " ليه لأ" الذي أثار قضية الكفالة


في البداية يؤكد الدكتور هاني هلال، خبير حقوق الطفل ورئيس المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، أن أوضاع الأطفال مجهولي النسب بدأت تتحسن بالتدريج بعد إجراء عدد من التعديلات التشريعية على قانون الطفل وأهمها استبدال توصيف الأطفال المعثور عليهم بدلاً من اللقطاء وعبارة مجهولي النسب إلى عبارة كريمي النسب حفاظاً على نفسية الأطفال. ويقول «كما تضمنت التعديلات القانونية تسهيلات لمن يرغب في كفالة الأيتام ومجهولي النسب بالسماح للأسر التي يكون فيها أحد الزوجين غير مصري بالكفالة بشرط موافقة اللجنة، وخفضت التشريعات سن الزوجين المسموح لهما بالكفالة إلى 21 عاماً بدلاً من 25 وإلغاء شرط الحصول على مؤهل دراسي ليكون معرفة القراءة والكتابة مع منح الأسرة حق الولاية التعليمية على الطفل وإدراج الاسم الأول للأم البديلة في خانة الأم في شهادة الميلاد وإضافة الاسم الأول للأب البديل أو لقب العائلة في الأوراق الرسمية».

وأكد د. هاني هلال أن وزارة التضامن وضعت جميع الشروط التي تضمن سلامة الطفل المكفول قانونياً واجتماعياً خلال وجوده مع الأسرة الحاضنة حيث ألزمت أن تكون الأسرة صالحة ويتوافر فيها النضج الأخلاقي والاجتماعي وهو الأمر الذي يضمن تربية الطفل تربية سليمة، ومن أكثر الأمور المبشرة التي سمح بها القانون هو أنه أتاح للأرامل والمطلقات وممن لم يسبق لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن 30 عاماً كفالة الأطفال بشرط موافقة اللجنة على صلاحيتهن لذلك.

فكرة المسلسل «ليه لأ» جديدة ومختلفة لم يتم تسليط الضوء عليها كثيراً لكنها نجحت في تصحيح المفاهيم لدى البعض وشجعت بعض الأسر المترددة على اتخاذ الخطوة

كفالة واحتضان الأيتام.. ما الفرق بينهما؟ و ما موقف الشرع والقانون؟

من جانبها توضح الدكتورة نسرين البغدادي، أستاذة علم الاجتماع والرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، أن التعديلات التشريعية التي تم إجراؤها في قانون الطفل والتي يسرت إجراءات كفالة الأطفال وسهلت فكرة الاحتضان تعتبر انتصاراً جديداً للطفل، وتبين «للأسف الشديد نحن في مجتمعاتنا العربية لا نزال نرفض نموذج الأسرة البديلة فهو أمر غير مألوف للكثيرين في ظل الاعتقاد الشائع بأن الدين الإسلامي حرم التبني إلى جانب آراء متداولة وتجارب يتم الإشارة إليها تحكم على التجربة بالفشل قبل بدايتها».

وتضيف «فكرة المسلسل «ليه لأ» جديدة ومختلفة لم يتم تسليط الضوء عليها كثيراً لكنها نجحت في تصحيح المفاهيم لدى البعض وشجعت بعض الأسر المترددة على اتخاذ الخطوة، وهو ما بدأ يظهر صداه في الإقبال على نظام الاحتضان والكفالة وزيادة الطلبات المقدمة للجهات المعنية بهذا الشأن». وترى د. البغدادي أن المجتمع على اختلاف فئاته بحاجة إلى الوعي والمعرفة أكثر في هذا النطاق حتى نستطيع توفير بيوت دافئة وآمنة لهؤلاء الأطفال، فالاحتضان يخلق طاقة أمل للطفل بأن يجد الحياة من جديد في ظل أسرة متفهمة وواعية. وتطالب أستاذة علم الاجتماع بإعادة النظر في الكثير من الأمور مثل فكرة حرمان هؤلاء الأبناء من الالتحاق بالكثير من المدارس والجامعات فهو أمر غير مقبول وكأننا نقول لهؤلاء الأبناء (أنتم لستم كالآخرين).

كما تطالب وسائل الإعلام بتصحيح الصور السلبية التي يتم تصديرها حول الأطفال كريمي النسب والتركيز على توفير البيئة المناسبة للاحتضان في كافة بلداننا العربية حتى نقضي على التشرد ونعمل على خروج أجيال سوية خالية من المشاكل النفسية.

المؤلفة المصرية غادة عبد العال تتبنى طفلاً تزامنًا مع انتهاء أحداث مسلسل " ليه لأ 2"
المؤلفة المصرية غادة عبد العال تتبنى طفلاً تزامنًا مع انتهاء أحداث مسلسل " ليه لأ 2"

أما الدكتورة هايدي المصري، استشاري نفسية الطفل وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أنه يجب إلقاء الضوء على الكثير من المشاكل النفسية التي يتعرض لها الأطفال من «كريمي النسب» الذين يخرجون للدنيا لا يجدون لهم أباً وأماً، فالكثيرون منهم يتعرضون للشعور بالضياع والإحساس بالرفض من أقرب الناس إليهم مما يجعلهم يشعرون بالدونية واليأس. وترى أن الأسرة البديلة ينبغي أن تتعامل مع الطفل «المحتضن» بحساسية شديدة فلا تذكره باستمرار بأفضالها عليه، ولا تمن عليه بالحب والعطف والدعم الذي تقدمه للطفل وأحياناً لا تلتفت الأسرة في بداية احتضانها للطفل المكفول إلى أنه قد يحتاج لعلاج نفسي لفترة ما بعد هذه الخطوة حتى يتم التعامل مع مشاعر القلق والإحباط والدونية والخوف من المجتمع ومن التعامل مع الآخرين.

وتلفت الدكتورة هايدي المصري إلى أن احتضان الأطفال يصيب بعض الآباء والأمهات بالقلق من مشاعر الصغير القادم إلى البيت، هل سيحبهم ويعاملهم كوالديه أم أنه لن يشعر بعاطفة بنوة نحوهم وسيتمرد عليهم؟ وتقول «الطفل الصغير يتعلق كثيراً بمن يرعاه ويعتني به سواء كانا والداه الحقيقان أو أجداده أو أي فرد من أسرته أو حتى الخادمة أو المربية، وهناك الكثير من النماذج حولنا يتعلق فيها الطفل بأشخاص بخلاف أبويه ويحبهم أكثر، فالطفل يبادل المحبة بالحب والتعلق. كما أن الأم نفسها قد تصاب باكتئاب بعد قيامها باحتضان طفل صغير لأنه قد يغير في عاداتها وسلوكياتها ويحملها أعباء جديدة وهذا الأمر طبيعي جداً، فالأم الحقيقية تصاب بحالة اكتئاب بعد الولادة وتأخذ وقتاً حتى تتأقلم على الوضع الجديد وتعتاد هذا الغريب القادم ليغير لها نمط حياتها».

وتشدد استشارية نفسية الطفل على أهمية عدم تقديم الحب المشروط للطفل المحتضن كما يجب مصارحة الطفل منذ البداية حتى لا يتعرض لصدمة في المستقبل والأفضل أن يكون الأمر بالتدريج وبشكل مبسط للطفل مثلاً في سن الخامسة حتى لا يتعرض لمشكلات نفسية عندما يسمع هذه المعلومة من شخص آخر تسبب له أزمة نفسية ويقل بعدها ثقته في والديه بالكفالة.

يجب أن تتم عملية كفالة اليتيم وفق الالتزام بتعاليم الإسلام

وحول الرأي الشرعي في قضية تبني الأطفال واحتضانهم كأسر بديلة لهم، يقول الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية وعضو اللجنة العليا للأسر البديلة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر، «إن كفالة الأيتام ومجهولي النسب لها أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لقول المولى عز وجل "يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء لأعنتكم إن الله عزيز حكيم". وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى». ويرى الدكتور الورداني أن الكفالة والاحتضان من أجمل الأعمال وأعظمها فهي تختلف كثيراً عن التبني ففيها لا ينسب الطفل إلى الأسرة المحتضنة والكافلة إعمالاً لقوله تعالى: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم»، وفي هذا جعل الله حفظ الأنساب حيث حث على أن ينسب كل طفل لأبويه. والاحتضان وكفالة اليتيم لم ينه عنهما الله عز وجل بل نهانا عن قهر اليتيم، ولكن يجب أن تتم عملية كفالة اليتيم وفق الالتزام بتعاليم الإسلام وإذا حدث ذلك في سن الرضاعة وأمكن إرضاعه ليكون محرماً لنساء أهل البيت فهذا أفضل».

 

مقالات ذات صلة