6 سبتمبر 2023

د. حسن مدن يكتب: روائح للتعافي

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: روائح للتعافي

عن علاقة الإنسان بالرائحة قيل ويقال الكثير، وهو أمر تناولناه هنا، مراراً، على مدار سنوات، وما أذكره بهذا الخصوص إشارة إلى بحث أجرته إحدى شبكات الرعاية الصحية الأمريكية، ورغم أنه لم يكن يتصل بموضوع الرائحة وحدها، وإنما بحواس مختلفة، لكنه يطرح السؤال التالي للتفكر: «لماذا تأتي على بالك ذكرى ما عند شم رائحة معينة، بينما ليس من الضروري أن تتذكر نفس الأمر برؤية أو لمس أو سماع أي شيء؟»، ليخلص من بحثوا الأمر إلى أنهم نجحوا في التعرف إلى أساس عصبي لكيفية قيام المخ بتمكين الروائح من إثارة الذكريات لدى الإنسان بقوة، فاكتشفوا وجود رابط فريد بين مركز الذاكرة في المخ والمناطق المسؤولة عن حاسة الشم في الإنسان، وأنه بالمقارنة مع سواها من حواس، كالبصر والسمع واللمس والشم، فإن حاسة الشم تتمتع بالصلة الأقوى بما يشبه طريقاً سريعاً من الرائحة إلى «قرن آمون» مركز الذاكرة، لا يتوفر لبقية الحواس.

على صلة بالموضوع أو قريب منه، تطالعنا دراسة حديثة بالقول إن استنشاق بعض العطور أثناء النوم، يمكن أن يعزز الأداء المعرفي، ويقوي ‏الاتصال بين المناطق العصبية، التي تنطوي على الذاكرة واتخاذ القرار، وخلصت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة كاليفورنيا، إلى أن بعض الروائح من الممكن أن تحسن وظائف المخ والأداء المعرفي، وذلك بعد إجرائهم دراسة على روائح النوم، شملت 43 رجلاً وامرأة، تتراوح أعمارهم بين 60 و85 عاماً.

من أجل الوصول إلى النتائج استخدم هؤلاء الباحثون زيوتاً طبيعية، مثل روائح الورد والبرتقال، الأوكالبتوس، الليمون، النعناع وإكليل الجبل والخزامى، لاختبار النظرية، وتم تزويد أفراد العينة الذين جري عليهم البحث برائحة «زائفة»، تحتوي فقط على كميات ضئيلة من الرائحة كعنصر تحكم، وتم توجيه كل مشارك في الدراسة لاستخدام أحد الزيوت مع موزع لرائحة منزلهم لمدة ساعتين كل ليلة، على مدار 6 أشهر، ثم طلب منهم طوال فترة الدارسة، تجربة كل روائح النوم، لا رائحة واحدة فقط، قبل أن تجرى عليهم الاختبارات، التي تضمنت مهارات الذاكرة والتعلم اللفظي والتخطيط وتحويل الانتباه، وكانت النتائج في النهاية مقنعة جداً، حيث وجد أن هناك فارقاً كبيراً بنسبة 226% بين المجموعة المزودة بروائح النوم الحقيقية والمجموعة الضابطة، إذ أحدثت مجموعة العطور تغييراً كبيراً في روابط أدمغتهم بين الذاكرة والتفكير.

في الخلاصة، رأى فريق البحث أن رش هذه العطور في أنحاء غرفة النوم قبل النوم، قد يساعد في إبطاء الظروف التي تؤدي إلى التدهور المعرفي، مثل الخرف، وذلك لأنها تعمل بشكل أساسي عن طريق تحفيز المادة الرمادية في الدماغ أثناء النوم، وإبقائها منشغلة تماماً، مثل السمع والبصر.

 

مقالات ذات صلة