د. باسمة يونس تكتب: أيدي موهوبة

د. بنجامين كارسون

إن كانت الموهبة أم الإبداع، فالقراءة حافزها والكتاب أداتها والعقل موطنها الحقيقي.

وتؤكد ذلك حكاية «بنجامين كارسون»، الطفل الذي بدأ حياته متأخراً دراسياً وفاشلاً بين بقية التلاميذ، لكنه أصبح رائد جراحة المخ والأعصاب ومرشحاً في الانتخابات التمهيدية لرئاسة الولايات المتحدة في 2016 ومؤلفاً ووزيراً للإسكان والتنمية العمرانية في الولايات المتحدة، وتخبرنا الكثير عن أهمية القراءة في حياتنا، ولماذا يجب أن نقرأ.

لم يكن نجاحه سيتحقق يوماً بسبب النظام التعليمي ولا المعلمة التي استمرت في تقييمه فاشلاً، ولا ظروف معيشته في منزل بسيط مع شقيق يعاني مثل معاناته وأم لا تقرأ ولا تكتب وتعمل خادمة في بيوت الناس، دفعتها معاناة طويلة للتفكير بالانتحار مراراً ومواصلة زيارة الأطباء النفسيين في محاولة للتعافي من ظلم الحياة بعد زواجها في سن الثالثة عشرة من رجل متزوج هجرها تاركاً لها طفلين.

لكنه إصرار الأم التي لم تمنعها أوجاعها من تقبل فشل ولديها؛ بل سعت بكل ما لديها من أجل إنقاذهما من التلاشي وإخراجهما من حفرة الفشل بسبب النظام التعليمي السيئ في مدرستهما.

ولم تتفجر مواهبهما الكامنة إلا بعد أن لاحظت الأم تلعثم «بن» أثناء محاولته القراءة، فأدركت بأنه يحتاج نظارة طبية وارتدت هي الأخرى واحدة كي تشجعه عليها، ثم أصدرت قرارها الحازم بتقليل وقت مشاهدتهما التلفاز وإلزام كل منهما قراءة كتابين أسبوعياً وتلخيصهما.

وفي الصف التاسع قررت تغيير مدرسة «بن»، ليتخرج منها بالمركز الثالث ولديه مهارة العزف على بوق باريتون ومنتسباً لنادي الشطرنج ومتخرجاً برتبة عقيد طالب كأعلى رتبة من برنامج تدريب الضباط الصغار في الجيش الأمريكي والعمل مساعداً في مختبرات الأحياء والكيمياء والفيزياء بالمدرسة ومساعداً في مختبر بيولوجي في إحدى الجامعات قبل إنهاء دراسته في الثانوية.

لم تكن الأم تقرأ، لكنها دفعت ولديها للقراءة، فتخرج ولدها الأكبر «كيرتس» من كلية الهندسة، وتحول «بنجامين» من طالب متأخر دراسياً إلى أصغر مدير قسم جراحة مخ وأعصاب الأطفال في مستشفى جونز هوبكنز على مستوى الولايات المتحدة وأستاذاً في قسم جراحة المخ والأعصاب والأورام وجراحة التجميل وطب الأطفال في كلية الطب بالجامعة.

ملصق فيلم يحكي قصة حياة "بنجامين"

وأجرى «بنجامين» عملية فصل ناجحة لتوأم ملتصق من ناحية مؤخرة الرأس وأول عملية جراحة عصبية ناجحة على جنين داخل الرحم وعمل على تطوير أكثر من طريقة جديدة لعلاج أورام جذع الدماغ وتجديد تقنيات استئصال نصف الكرة المخية للسيطرة على نوبات الصرع وألف أكثر من 100 منشور في جراحة الأعصاب حتى تقاعده في عام 2013.

وفي جعبته اليوم العديد من الأوسمة في مجال جراحة الأعصاب وأكثر من ستين دكتوراه فخرية، والعديد من الأوسمة الوطنية وأدرج اسمه في قائمة أهم 20 طبيباً على مستوى الولايات المتحدة، ووضعته مكتبة الكونغرس في قائمة الـ «89 أسطورة حية» في الذكرى السنوية المئتين لتأسيسها.

وفي عام 2008، مُنح كارسون وسام الحرية الرئاسي باعتباره أعلى جائزة مدنية في الولايات المتحدة، وانتُخب في 2010 لعضوية الأكاديمية الوطنية للطب في الولايات المتحدة وأنتج عن قصة حياته فيلم «أيدي موهوبة» عام 2009.