27 سبتمبر 2020

متطوعو بيروت يشاركونا حكاياتهم وأهدافهم

متعاونة من مكتب بيروت

متعاونة من مكتب بيروت

متطوعو بيروت يشاركونا حكاياتهم وأهدافهم

لا يختلف اثنان على أن العمل التطوعي الإنساني هو عمل خير يحركه الحس الإنساني والضمير الحي، وهو في الغالب يتزايد مع حصول الكوارث والمآسي.. واليوم في لبنان، نجد أعداداً هائلة من المتطوعين على الأرض (من كل الأوساط الشعبية والاجتماعية والفنية وحتى السياسية) بعد الكارثة التي أصابت بيروت، إثر التفجير الدامي الذي حل بمرفأ المدينة وشوارعها.. نزلوا في اليوم التالي مباشرة، لملموا الزجاج المتناثر في الشوارع، عملوا على إزالة الركام، أسهموا بنقل الجرحى وإسعاف المصابين ووزعوا الحصص الغذائية والأدوية... ولا يزال العمل مستمراً بعد مرور أكثر من شهر على الكارثة.. 

متطوعو بيروت يشاركونا حكاياتهم وأهدافهم

ويبقى السؤال: هل أسهمت نسبة البطالة المرتفعة في ازدياد أعداد المتطوعين؟ أم أن الحس الإنساني والتفاعل مع الفاجعة كان السبب الأساسي للعمل الإنساني على رغم مشقته وصعوبته؟ خصوصاً في ظل الظروف المناخية الصعبة والحر الشديد، والظروف الصحية الصعبة مع انتشار وباء «كورونا».

هو سؤال دفعنا لإجراء تحقيق ميداني للتعرف عن كثب إلى الأهداف والدوافع، من خلال نماذج موجودة على الأرض بدأناها مع الفنان يوري مرقدي الذي التقيناه في مركز جمعية «دفى» والذي أجاب رداً على سؤالنا عن عمله التطوعي فقال:

«في الأسبوع الأول الذي تلا الانفجار، عشت حالة صدمة جعلتني أتسمر أمام شاشة التلفزيون متابعاً الأخبار نهاراً، ومتكلاً على الحبوب المنومة والمهدئة ليلاً كي أستطيع النوم، إلى أن عرضت علي زوجتي، وهي أمينة سر جمعية «دفى» العمل معها، مؤكدة لي بأن العمل التطوعي الإنساني يمكنه أن يزيل الكآبة من داخلي، ويمنحني شعوراً جميلاً.. وبالفعل، بعدما تطوعت بدأت تتحسن نفسيتي، وصرت قادراً على التواصل بشكل أفضل مع الناس، خصوصاً المتضررين منهم ممن يلجؤون للجمعية طلباً للمساعدة، ومع المتبرعين، لدرجة لم أعد أشعر فيها بمرور الوقت على الرغم من العمل المتواصل لمدة 18 ساعة، ربما لأن فرح العطاء والدعم الإنساني لا يوازيه فرح، وأعتقد بأني «علقت»، فأصبحت لا أجرؤ على إغلاق الهاتف، لأن أحداً قد يحتاجني».
أضاف « بكل الحب الذي أعيش أجمل لحظاته أدعو كل الفنانين لمساعدة الناس الذين كانوا سبباً في نجاحهم، وليس الاكتفاء بإطلاق الأغنيات، فبيروت اليوم في حاجة لأكثر من ذلك، والشعب الذي كان السبب في نجاح الفنانين، له حق رد الجميل».

ويؤكد" علينا أن نتعامل مع الواقع بدلاً من أن نسبح في الفضاء، لذلك أجد أن حمل كرتونة تحوي حصة غذائية لعائلة محتاجة أهم من ألف عمل فني في هذه المرحلة.. بالأمس كنت في حضرة امرأة قتل زوجها بالانفجار، وأصيب ابنها ولا يزال في العناية الفائقة، مثل هذه المرأة، ماذا تنفعها الأغنية؟! لذلك أتمنى على كل الفنانين النزول إلى الأرض والمساعدة في الأعمال الإنسانية، ليكونوا الصوت العالي في ظل غياب الدولة"

"الحس الإنساني هو الدافع الأكبر للعمل التطوعي"

الناشطة الاجتماعية كوليت سلوم المتطوعة في جمعية «دفى» قالت عن عملها « رافقت صديقتي النائب بولا يعقوبيان منذ انطلاقة الحملة قبل سبع سنوات، ولكن عملنا كان يقتصر على فترة قصيرة في العام، خصوصاً وأن بداية الحملة كانت تهدف لجمع الثياب للجمعيات الخيرية والمحتاجين في القرى، وتوزيعها في مواسم الشتاء والأعياد، بعد ذلك تطور عملنا بعد أكثر من أزمة حصلت في لبنان، وفرضت احتياجات جديدة غير الملابس: أدوية، مواد غذائية، فرشات للنوم بعد احتراق عدد من المنازل في منطقة الشوف، إلى أن بدأت ثورة أكتوبر «تشرين»، وبعد اشتداد الأزمة الاقتصادية، أصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً، وأتى الانفجار ليتوج الوجع في ذروته والحاجة بكل أشكالها في ظل غياب الدولة».

وعن دوافعها تقول" الحس الإنساني هو الدافع الأكبر للعمل التطوعي، خصوصاً وأنه ليس سهلاً، ولكن لا يمكن الإنكار بأن البطالة كانت أيضاً دافعاً مهماً في زيادة وتكبير أعداد المتطوعين، وكذلك للقضاء على الملل وللشعور بفائدة الإنسان وفاعليته في المجتمع، حتى ولو كان بشكل مجاني"

متطوعو بيروت يشاركونا حكاياتهم وأهدافهم

"الجميل بالعمل التطوعي، أنه يجمع الناس من كل الفئات والطوائف والمناطق"

يونس سلوم، عمله الأساسي مصور صحافي وهو اليوم متطوع في جمعية «دفى».. عن تطوعه يتحدث « بعد الفاجعة التي ألمت بالبلد، ونكبة الناس، لم يكن بيدنا المساعدة إلا بما نملك من قدرة بسيطة على المساعدة، حتى لو كانت في نقل مواد غذائية للعائلات المنكوبة، والمساعدة في إزالة الركام، ونقل الأثاث التالف».

وأكد « الجميل بالعمل التطوعي، أنه يجمع الناس من كل الفئات والطوائف والمناطق، بعيداً عن السياسة وتفرقتها».

"أشعر بأن هذا العمل التطوعي يقربني من الله "

هبة خياط ، موظفة في النادي الثقافي العربي، وأم لطفلين، تطوعت مع جمعية arc en ciel ، على الرغم من كونها موظفة إلا أنها أرادت المساهمة بتخفيف وجع الناس، خارج دوام العمل، وفي أيام العطلة.
عن عملها التطوعي تقول « أشعر بأن هذا العمل يقربني من الله سبحانه وتعالى، فهو لوجهه خالصاً، إضافة إلى أنه يجعلني أشعر بالرضى والاكتفاء النفسي، لذلك أنا سعيدة به».

عملنا مرهق، لكن الدافع الإنساني كان أقوى من كل شيء ونحن نعمل تحت شعار «من خيرك، ساعد غيرك

النائب في البرلمان اللبناني «المستقيل» بولا يعقوبيان مؤسسة ورئيسة جمعية «دفى» ، تبين «  جمعية «دفى» ولدت قبل نحو سبع سنوات، بمبادرة شخصية مني لإلباس الفقراء، وتطورت مع تطور الأحداث.. لم أتوقع أبداً أن نعمل بشكل يومي في لبنان، ولكن نسبة الفقر والحاجة، والدمار الذي حصل أخيراً، فاقم الحاجة إلى حد كبير، في ظل غياب الدولة، ولذلك اضطررنا للنزول إلى العمل الميداني وتحمل مسؤولياتنا السياسية والإنسانية».
وتؤكد" نحن نقوم بدور الوسيط بين المتبرع والمحتاج، لأننا لا نتعامل بالمال، فنصلهم مباشرة ببعضهم في حال كان التبرع بالمال"

وتكمل" الجمعيات التي تتلقى الدعم المادي من الدولة، هي تلك التي تترأسها زوجات السياسيين والمحسوبين عليهم، ونحن أجبرنا على تسجيل الجمعية في سجلات الدولة ليحق لنا العمل على الأرض.... في الوقت الذي يظن البعض أننا نتقاضى المال من الدولة، يتم فيه عرقلة عملنا على الأرض، مثلما حصل معنا حين صادرت لنا مصلحة الجمارك طنين ونصف الطن من التمور التي أرسلتها لنا دولة الإمارات العربية مشكورة، كهبة للتوزيع خلال شهر رمضان الفائت"

متطوعو بيروت يشاركونا حكاياتهم وأهدافهم

وتضيف" وصل عدد المتطوعين في الفترة الأخيرة إلى نحو 2000 متطوع، منهم أصحاب حرف تطوعوا للمساعدة في إصلاح المنازل المدمرة، في عمل ميداني، لذلك لا نجدهم هنا، وهناك متطوعون يعملون بدافع إنساني بحت، بعد الانتهاء من دوامات أعمالهم، إضافة إلى تطوع ربات منازل مكتفيات من الناحية المادية، لا يحتجن أصلاً للعمل، ولكنهن قررن المساعدة والوقوف إلى جانبي في الجمعية... عدا عن كثير من المتطوعين الذين تأثروا بالانفجار الأخير وتداعياته على الأرض، ومن بينهم الفنان يوري مرقدي، وصحافيون، باختصار عملنا مرهق، ولكن الدافع الإنساني كان أقوى من كل شيء لدى البعض... ونحن نعمل تحت شعار «من خيرك، ساعد غيرك».

تصوير: جوزيف عيد- وكالة "فرانس برس"

 

مقالات ذات صلة