8 يناير 2024

نصائح وتوجيهات دينية لبر الوالدين عند كبر سنهما

محرر متعاون

محرر متعاون

"ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقلْ لهما قولاً كريماً".. كيف تتعامل مع والديك عند كبر سنّهما؟

ما أكثر النصائح والتوجيهات الدينية والإنسانية التي توجه إلى الأبناء لبِرّ والديهم، والإحسان إليهم في كل مراحل العمر، خاصة في مرحلة الشيخوخة.. تلك الفترة التي يشعرون فيها بالضعف والحاجة إلى رعاية إنسانية خاصة من الأبناء، تشعرهم بالرضا والسعادة، وهم في نهاية مشوار الحياة.

لكن للأسف.. نسمع ونرى أنّات آباء في هذه المرحلة من العمر، حيث ينشغل عنهم الأبناء، ولا يقدّمون لهم الرعاية اللازمة، بل يرى بعض الآباء جحوداً غريباً من أبنائهم، يشعرهم بالألم والحسرة على نكران الجميل من أقرب الناس إليهم.. فلذات أكبادهم.

فكيف ينظر الدين إلى جحود الأبناء في التعامل مع آبائهم، خاصة في مرحلة الشيخوخة؟ وما العقاب الإلهي الذي ينتظر الأبناء الذين يتنكرون لآبائهم في هذه المرحلة العمرية؟ وكيف يتعامل الأبناء مع الآباء في هذه الفترة الصعبة من عمرهم؟

تساؤلات كثيرة حاولنا الحصول على إجابة عنها من عدد من كبار علماء الدين.. فماذا قالوا، وبماذا نصحوا الأبناء؟

"ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقلْ لهما قولاً كريماً".. كيف تتعامل مع والديك عند كبر سنّهما؟

بِر وإحسان الوالدين لا ينقطعان

الإمام الأكبر د. أحمد الطيّب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، يؤكد بداية أن بِر الوالدين والإحسان إليهما واجب على كل الأبناء في مختلف مراحل عمرهما، وليس في مرحلة الشيخوخة فقط.. فالبِر والإحسان مأمور بهما في القرآن الكريم في نصوص واضحة وحاسمة، وكل من يخالف ما أمر الله ورسوله به في هذا الأمر يعرض نفسه للعقاب الإلهي، وهو عقاب قاسٍ، نسأل الله أن يبعد عنه كل الأبناء.

وحول معنى «بِر الوالدين» يقول الإمام الطيب «بِر الوالدين يعنى الإحسان إلى إليهما في كل شيء، قولاً وعملاً، فلا يجوز لأحد من الأبناء أن يتحدث بكلمة تسيء إليهما، ولا أن يأتي بأفعال تسيء إليهما، بل لا ينظر إليهما بعينيه نظرة يُفهَم منها أنه ضائق، أو ضجرٌ، منهما، والقرآن الكريم عنى في حديثه عن بِر الوالدين بمفردات في غاية الأهمية، توضح المراد ببرّهما من نحو: (الإحسان، الأدب، البِرّ، العطف، خفض الصوت)، فهذه المعاني يجب أن تسود في علاقة الأبناء بآبائهم، حتى لو كان هناك رأي للوالديْن لا يوافق هوى الابن، أو البنت، فلا يصح لهما أن يخرجا عن قواعد الأدب في الحوار».

كل من يهمل حقوق والديه أو يقسو عليهما آثم شرعاً وينتظره عقاب شديد

ويذكّر شيخ الأزهر كل الأبناء بالنصوص القرآنية التي وردت في الأمر ببرّ الوالدين، والإحسان إليهما، ويبين «الله سبحانه وتعالى امتدح نبي الله يحيى -عليه السلام- لبرّه بوالديه فقال: «وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً»، وامتدح نبي الله عيسى- عليه السلام- لبِرّه بأمه: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً»، وأوضح النصوص القرآنية على وجوب بِر الوالدين قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً»، فالآية حرمت أدنى شيء يمكن أن يسيء إلى الوالدين، ونهت عن صدور أي كلمة من الابن تشعرهما بأنه ضائق بهما: «فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ» مهما كانت الأعباء والمطالبات، ومهما ثقُلَ عليه كلام الأب، أو الأم، أو تصرفاتهما، فليس له الحق في أن يرد عليهما، أو يبدي سخطه نحوهما، وهذا ظاهر في كلمة «أفّ» التي تَنُم عن الضجر والضيق، وأنه لم يعُد يطيق أن يسمع هذا الكلام، فحتى هذه منهيّ عنها، ومن باب أولى «وَلاَ تَنْهَرْهُمَا» «يعني لا تزجرهما ولا تعنّفهما، «وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً» أي: قولاً فيه أدب ومروءة واحترام، «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً».

بِر الوالدين.. قولاً وفعلاً

لذلك يحثّ شيخ الأزهر الأبناء، من بنين وبنات، على طاعة الوالدين، والإحسان إليهما؛ لأن هذا أمر قرآني لا نقاش فيه، فلا بد أن يكون الإنسان أمام أبيه، وأمام أمه، نِعم الولد، يتكلم بأدب، ينظر بأدب، يتعامل بأدب؛ لأن القرآن الكريم حين تحدث عن بِر الوالدين لم يستعمل صيغة التفضيل- أي لم يقل من الأفضل أن تبرّهما وتحسن إليهما- وإنما استعمل صيغة النهي: «فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ»، «وَلاَ تَنْهَرْهُمَا» هذه صيغة نهي، تعني تحريم المنهي عنه، ثم جاء الأمر «وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً»، «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»، أي: كن أمامهما كما يكون الذليل أمام سيده، وهذا لا يعني أنك لا تناقش والديك، بل ناقشهما، ولكن بأدب واحترام؛ لأنهما صاحبا الفضل عليك، بعد الله، وفضل الأم يفضُل الأب ثلاث مرات، فالحديث الشريف يقول: «جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوك)».

لذلك فإن علاقة الأبناء مع الآباء يجب- كما يؤكد د. الطيّب- أن تقوم على أوامر القرآن، ونواهيه، لا على الحرية التي تجعل الابن يناقش أباه، أو أمه، كأنه يناقش صديقه، أو كأنه يناقش أخاه، أو كأنها علاقات ندية، فهذه ليست حرية، وإنما هي إثم ومعصية، ودعا فضيلته الشباب إلى أن يتنبَّهوا إلى هذا، وأن يفرقوا بين معاملتهم للوالدين، وبين معاملتهم الندية مع أصدقائهم، أو مع إخوتهم.

"ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقلْ لهما قولاً كريماً".. كيف تتعامل مع والديك عند كبر سنّهما؟

الإحسان للوالدين بركة في العمر والرزق

من جهته، يؤكد العالم الأزهري د. أسامة الأزهري، أن بِر الوالدين والتعامل معهما برفق، ورحمة، وإحسان، من أفضل ما يتقرب به الابن إلى ربه، ففي ذلك فضل كبير، وطاعة لله، ما بعدها طاعة، ويتضاعف أجر وفضل هذا البِر إذا ما كان الأب في مرحلة الشيخوخة، وهي مرحلة ضعف ينتظر فيها الأبوان كل أشكال الإحسان، وردّ الجميل من فلذات أكبادهما.

ويضيف «لقد علّمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن الأدب في التعامل مع الوالدين والبِر بهما، والإحسان إليهما، هي أقصر طريق لنيل رضا الله عز وجل، والفوز بعفوه، ورحمته، والعيش في الحياة سعيداً هانئاً، موفور الرزق، مبروك العمر. وأخبرنا صلوات الله وسلامه عليه، أن لبِر الوالدين عظيم الفضل في تمكين الإنسان من معايشة سر الحياة في البركة، والمحبة، والرزق، والرضا.. فالبر من خير الأعمال وأفضلها.. قال ابن مسعود، رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي العمل أفضل؟ ـ وفي رواية: أي العمل أحب إلى الله؟ ـ قال الصلاة على وقتها، قلت: ثمّ أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».

أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى خالقه.. البِر بوالديه خاصة في مرحلة الشيخوخة

ويؤكد د.الأزهري أن بركة بِر الوالدين لا تعود على الإنسان بعد رحيله من الدنيا فقط، كما يعتقد كثير من الأبناء.. بل تحلّ عليه هذه البركة في الدنيا فيعيش سعيداً، موفور الأرزاق، ومبارك العافية، مصداقاً لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من سَرّه أن يُمدّ له في عمره ويزداد في رزقه، فليبِرّ والديه، وليصل رحمه».

ويؤيد ذلك المعنى حديث آخر عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بَرّ والديه طوبى له زاد الله في عمره». وفي حديث آخر «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِر».

أفضل أشكال بِر الوالدين

ويوضح د. الأزهري أن البر بالوالدين واجب، حتى ولو كانا على غير الدين.. كان الصحابي الجليل أبو هريرة، رضي الله عنه، حريصاً على أن تدخل أمه في الإسلام، وكان يدعو الله سبحانه وتعالى، أن يشرح صدرها للإسلام، فدعاها يوماً إلى الإسلام فغضبت، وقالت كلاماً يسيء إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، «أي سبّته وشتمته»، فأسرع أبو هريرة رضي الله عنه، إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي، فقال: يا رسول الله: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فلا تستجيب لي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال صلى الله عليه وسلم «اللهمّ اهدِ أمّ أبي هريرة»، فخرج مستبشراً بدعوة الرسول، وذهب إلى أمه، فوجد باب البيت مغلقاً، وسمع صوت ماء يُصب، فقد كانت أمه تغتسل، فلما سمعت أمه صوت قدميه، قالت: مكانك يا أبا هريرة، ثم لبست ثيابها، وفتحت الباب، وقالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ففرح أبو هريرة، رضي الله عنه، بإسلام أمه فرحاً كثيراً، وذهب إلى رسول الل،ه صلى الله عليه وسلم، وأخبره بالأمر، فحمد الله وقال خيراً.. وهذا يؤكد أن من أشكال البِر وأعظمه أن تعين والديك على طاعة الله وعلى عمل الخير، وأن تساعدهما على كل ما يرضى الله ويضاعف لهما الأجر والثواب.

"ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقلْ لهما قولاً كريماً".. كيف تتعامل مع والديك عند كبر سنّهما؟

هؤلاء الأبناء ينتظرهم عقاب شديد

الفقيهة الأزهرية د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر للبنات، تؤكد أن رعاية كبار السّن «واجب ديني وإنساني»، على كل أفراد المجتمع ومؤسساته.. وهي من جانب الأبناء فريضة لا يجوز التخلي عنها تحت أي ظرف.

وتوضح «تعاليم ديننا تربّينا على احترام الكبير، والتعامل معه برفق، ورحمة، ولين، وتوقير، لكن للأسف، بعض شبابنا يحتاج إلى توجيه، وتربية دينية وأخلاقية، تفرض عليهم أن يبادروا باحترام كبار السّن، والوفاء بحقوقهم الإنسانية، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى جهود أكبر من مؤسسات التربية والتعليم والتوجيه الديني، كما ينبغي أن تنقل وسائل الإعلام، من خلال ما تقدمه من دراما وبرامج ثقافية وتوعوية، ما ينبغي أن نتعامل به مع هؤلاء الذين يعيشون حالة ضعف، وعجز، ويحتاجون إلى رعاية حقيقية من كل فئات المجتمع، ومؤسساته».

إهدار حقوق الآباء كبار السّن من أبشع صور العقوق في حياتنا المعاصرة

وتواصل «يجب أن نعترف بأن إهدار حقوق المسنّين، سواء أكانوا من الأهل والأقارب، أم هؤلاء الذين لا تربطنا بهم صلة، أصبح من مظاهر القسوة الاجتماعية التي تغلف حياتنا المعاصرة، وهذه القسوة، للأسف، يشارك فيها الكثيرون، بقصد أو عدم قصد.. وما أبشع سلوك الأبناء الذين يتعاملون مع آبائهم وهم في أيام عمرهم الأخيرة، بإهمال وقسوة، ونحن نشفق على هؤلاء الأبناء من عقاب الله، وهو عقاب لو يعلمون عظيم. فهناك قصص مؤلمة تجسد صوراً شاذة لعقوق الأبناء لآبائهم كبار السّن، فالشاب الذي يذهب بأمه، أو أبيه، إلى دار للمسنين إرضاء لزوجته، أو تأففاً من خدمتهم، ثم يتركهما وينساهما، ولا يتذكرهما إلا في المناسبات، هو شاب عاق، مُهدر لحقوق من كانوا سبباً في وجوده، والزوج الذي يمنع زوجته من رعاية ومودة والدها المُسن هو رجل مسيء، لا يتمتع بالمروءة والشهامة، ولا يعرف حقوق الآباء. وهكذا تتعدد صور العقوق للمسنين، حيث يعاني بعضهم من «قسوة مفرطة» بسبب التربية الخاطئة للأبناء، وضعف الوازع الديني، وقصور التوجيه الأخلاقي، وانعدام الشعور الإنساني».

"ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقلْ لهما قولاً كريماً".. كيف تتعامل مع والديك عند كبر سنّهما؟

نصائح للأبناء.. احذروا عقوق الوالدين

وتوجه الأستاذة الأزهرية نصائحها للأبناء بالحذر من عقوق الوالدين، والقسوة عليهما، وإغضابهما، خاصة في مرحلة الشيخوخة، وتذكّرهم بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة»، وهذا الكلام يشبه الدعاء على كل من يدرك أحد أبويه، أو كليهما، ولم يقدم له، أو لهما، ما يدخله الجنة.

وتضيف «ننصح كل الأبناء بالتفاني في خدمة آبائهم، خاصة وهم في سن الضعف والوهن، ومحاولة إرضائهما بكل ما هو مباح ومشروع، لأن التعامل معهما بقسوة، أو إهمال، هو من أبشع صور العقوق، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «ألا أحدّثكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين». فاعلموا أيها الأبناء أن الإحسان إلى الوالدين، خاصة في حال الكبر، من أفضل القربات إلى الله، حيث أمرنا سبحانه وتعالى، بطاعتهما في كل شيء، عدا التي فيها معصية للخالق سبحانه وتعالى، وكذا الأمور التي يترتب عليها ضرر يلحق بالأبناء».

وأخيراً.. توجه الأستاذة الأزهرية نداء لكل الأبناء، قائلة «مهما كانت الظروف والأحوال ثق تماماً، بأن رضا الله سبحانه وتعالى من رضا الوالدين، وأن الرزق والبركة وطول العمر لا يكتملان إلا برضاهما».

إقرأ أيضاً: كيف نتجاوز الآلام النفسية لظلم الوالدين دون عقوق؟

 

مقالات ذات صلة