23 سبتمبر 2020

لماذا يرفض الرجل الشرقي التعبير عن مشاعره؟

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

لماذا يرفض الرجل الشرقي التعبير عن مشاعره؟

رسخت مجتمعاتنا العربية الكثير من المفاهيم الخاطئة حول الصورة التي يجب أن يظهر عليها الرجل ، عندما اعتبرت إظهاره لمشاعر الحزن والقلق والبكاء يقلل من نظرة الاحترام له ويضعف مكانته بين الناس ويفقده الهيبة، وأن مفهوم الرجولة يعبر عنه بالشدة والصبر والقدرة على التحمل، متجاهلين أن المشاعر هي جزء مهم من وعي الفرد بذاته ينعكس على تعامله مع الآخرين ونجاحه في حياته العملية والأسرية، ولم تكتف بذلك بل حمّلته مسؤولية دعم أفراد أسرته وتوزيع الحنان.

في دعوة أطلقها طبيب مختص في الاستشارات النفسية والأسرية «أنا رجل وأحتاج للدعم العاطفي»، اختلفت الآراء بين مؤيد يرى ضرورة تعبير الرجل عن مشاعره وعواطفه، ورافض متمسك بثوابت تداخلت فيها عوامل تربوية وبيئية وثقافية.. «كل الأسرة» استطلعت الآراء وسألت المختصين في علوم تطوير الذات والعلوم النفسية والأسرية عن أهمية تعبير الرجل عن مشاعره وحصوله على الدعم العاطفي ، وكان هذا التحقيق. 

أصبحنا الآن في زمن أكثر تفهماً وانفتاحاً والتعبير والبوح عن المشاعر أكثر سهولة

يوضح د. محمد حمدان بن جرش «العولمة التي نعيشها أفرزت الكثير من المتغيرات على الهوية الثقافية، بقي ما هو راسخ وتغير الكثير منها، ما يتعلق بالرفاهية وتطور وسائل التواصل سواء مع الجنس الآخر أو الثقافات الأخرى، بعد أن كانت صعبة، أصبحنا الآن في زمن أكثر تفهماً وانفتاحاً والتعبير والبوح عن المشاعر أكثر سهولة»، ويطرح التساؤل «هل يعني ذلك صعوبة أو عدم قدرة الرجل على التعبير عن حزنه في الزمن الماضي؟ بالتأكد كلا، فقد كانت لهم طرق تتناسب وزمانهم بنظم الشعر وكتابة النثر تعبيراً عن حزنهم وألمهم كما نظموه في الفرح والمديح، لكن ما مرتبط بالفكر والنظرة العامة أن من صفات الرجل الصلابة والثبات وعدم تقبل الانكسار وهو الذي يرفض قبول تعبيره عن حزنه وآلامه».
يضيف «الرجل كائن اجتماعي لا فرق بينه وبين المرأة، يرغب بتكوين أسرة وحياة اجتماعية، لكن ما يختلف فيه عن المرأة هو مدى تقبله للتعبير عن ذاته وعدم رغبته في الإفصاح عن مشاعره التي تتداخل فيها عوامل تربوية وبيئية وثقافية، كما أن طريقة التعبير عن المشاعر سواء انفعالية، الحب، الغضب تختلف من شخص لآخر بحسب ما يحمله من أفكار حول مفهوم التعبير».

الموروث الثقافي 

يكمل بن جرش «تعبير الرجل عن مشاعره يتأثر بالموروث الثقافي الذي يصفه بصفات مثل الصلابة والتضحية وجميع الأشياء الذكورية، إلا أن هذا أيضاً شهد تغييراً في ظل الانفتاح الذي تشهده المجتمعات، فالتغريدة على أحد مواقع التواصل المختلفة سواء كانت بقصيدة أو خاطرة أو الكلمة أو حتى صورة هي تعبير عن المشاعر، كما عبر أحمد شوقي والمعري وغيرهما من الشعراء عن مشاعر الحزن والفراق والألم، ومع التطور الذي تعيشه المجتمعات العربية والدعوة للتغيير ما زالت هناك ثوابت ترفض ذلك، خاصةً فيما يتعلق بالأسرة وكرامة الإنسان».

via GIPHY

غياب الدعم المعنوي للرجل

يقول د. شعبان عبد اللطيف «لم توفر البيئة العربية للرجل الدعم المعنوي بل حملته المسؤولية الكاملة إضافةً إلى مسؤولية دعم أفراد أسرته وتوزيع الحنان، مسؤوليات الرجل تجعل منه أكثر صلابة عن المرأة وهذا ما يجعل منه أكثر قدرة على التفكير بهدوء وأخذ القرار الحاسم، عندما يحزن ويبكي فهو لا يرغب في إظهار هذه المشاعر للآخرين، ليس لأن الحزن والبكاء من الأشياء المعيبة بل لأنها صفات ترتبط بالضعف خاصةً بالنسبة للأب الذي يعتبر الملهم والحامي لأبنائه بالتالي لا يمكنه أن يشتكي أو يتعب أو يبكي، فالنظرة في مجتمعاتنا العربية قائمة على أن الرجل هو من يتحمل المسؤولية كاملة».

مفهوم الرجولة في الثقافة العربية

يوضح مدرب التنمية البشرية والعلاقات الأسرية د. شافع النيادي «من المفاهيم التي اقترنت بثقافة الكثير من المجتمعات أن الشدة والقوامة صفتان مرتبطتان بالرجل وإظهاره الحزن والبكاء يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية على الأسرة، فالرجل هو أهم ركائز المنزل الذي إذا ما ألم به شيء هدم. عندما نتكلم عن مفهوم الرجولة في الثقافة العربية فإننا نتكلم عن الشدة والصبر والقدرة على التحمل حتى تشبه بعض النساء بالرجل أحياناً لشدتها وصرامتها وقدرتها على التحمل، لذلك إظهار الرجل الحزن والانكسار أمام الآخرين غير مقبول وفيه نوع من الضعف، العقل الواعي والنظرة النمطية هي أن الرجل هو السند، أوجدتها عاداتنا وثقافتنا المرتبطة بالحياة القديمة التي انتقلت لنا من آبائنا وأجدادنا عن حياة العرب من قسوة العيش في الصحراء التي حتمت عليه أن يتصف بهذه الصفات» 

via GIPHY

أخطاء تربوية متوارثة

تشير ميساء الشحادات، مدربة معتمدة واستشارية أسرية في مركز المودة الأسري التابع لجمعية أم المؤمنين، «يتعرض الإنسان لمواقف تحتم عليه التعبير عن مشاعره الإنسانية، ويلجأ للبكاء أو الضحك أو الصراخ للتعبير عن الحزن أو السعادة للتخفيف عما يجول في صدره، وهذا أمر طبيعي جداً عند الرجل فهو إنسان له من العواطف ما للمرأة ولنا مثال في ذلك عندما بكى رسول الله حزناً على ولده إبراهيم دون أن ينتقص ذلك من مكانته. يعتقدون أن الأمر مقتصر على النساء دون الرجال لذلك يحاولون تربية الطفل الصغير على أنه «رجل عليه ألا يبكي» أو يعبر عن مشاعره الداخلية وكأن البكاء يصنع منه شخصاً ضعيفاً مهزوزاً لا يمتلك صفة الرجولة. ومن الرسائل الأخرى التي دائماً ما ترسل للطفل أن «لا تبكي متل النساء» وهذا نفسياً فيه مصادرة لمشاعر الطفل بأن نوصل له فكرة اشعر بما لا تشعر به وبالتالي يدخل الطفل في مرحلة إنكار لمشاعره وعدم الاعتراف بها لأنها غير مقبولة عند الآخرين. كما أن فكرة البكاء أو الحديث عن أن المشاعر هي صنعة النساء خطأ تربوي متوارث فيه ظلم كبير للرجل الذي يصبح من المتوقع منه الصلابة والشدة والجفاء لظنهم أنها تتوافق مع هيبته كرجل، بينما الحديث عن المشاعر كالنساء سوف ينتقص من قيمته ويجعله يبدو ضعيفاً.. للأسف تعزز المرأة أيضاً هذه الفكرة لدى أبنائها فهي تنظر للرجل القوي الذي هو مصدر الأمان والسند في حياتها بصلابته وبعده عن العواطف اللينة. يقول أحد الرجال تعلمنا منذ الصغر أن الرجل بلا قلب وبلا مشاعر، قاس كالصخر لا يبكي، لديه هيبة، لا يضحك أمام الناس، بينما المرأة متاح لها أن تبكي متى تشاء، وأن الدموع تعبير عن الضعف، لذا يجب ألا يظهر الرجل ضعيفاً بذرف دموعه، أو التعبير عن أحاسيسه، وهذا عادةً ما يكون مرتبط بعادات المجتمع وقيمه الموروثة».

الإحساس بالخجل من إظهار مشاعر القلق والخوف والبكاء يمنع الكثير الرجال من تلقي العلاج النفسي في الوقت المناسب

الكثير من الرجال أقل تعبيراً من النساء 

يبين استشاري الطب النفسي والمدير التنفيذي لمركز البرايوري د. وليد عبد الحميد، أن «إظهار الرجل مشاعره وحزنه وآلامه يعتبر أمراً مرفوضاً ليس في المجتمعات العربية فقط بل في جميع المجتمعات، فقد أجرى أحد علماء علم النفس في بريطانيا دراسة لمعرفة عدد الأشخاص الذين يرتادون مراكز الصحة النفسية من الجنسين، وكشفت نتائج هذه الدراسة أن النساء هن ضعف أعداد الرجال وأكثر إصابة بالاكتئاب والقلق. وفي بحوث أخرى تتعلق بالإدمان على الكحول، وجد أن الرجال هم ضعف عدد النساء في إدمان الكحول، هذا يوضح قدرة النساء واستعدادهن للبوح والحديث عن مشكلاتهم النفسية والعاطفية إلى طبيب نفسي بينما يلجأ الرجال إلى إدمان ما هو مضر ويتسبب بمشكلات صحية»، يشرح «الإحساس بالخجل من إظهار مشاعر القلق والخوف والبكاء يمنع الكثير الرجال من تلقي العلاج النفسي في الوقت المناسب وإن أجبروا يكون ذلك في وقت متأخر بعد أن لجأوا لتجربة أشياء مختلفة مضرة»، يكمل عبد الحميد «إضافة إلى الإدمان الذي يتسبب به الكبت العاطفي، يصاب البعض بالقلق الذي يتطور بمرور الوقت إلى عنف أسري أو مشكلات مع القانون، كما يمكن أن يتسبب كبت المشاعر ورفض المساعدة بمشكلات عضوية لذلك نلاحظ أن الرجال هم أكثر تعرضاً لأمراض القلب والكثير من الإحصائيات تشير إلى أن عمر الرجل هو أقل نسبياً من عمر المرأة».

 

مقالات ذات صلة