14 ديسمبر 2023

إنعام كجه جي تكتب: أيّ ثقة وأيّ نفس؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: أيّ ثقة وأيّ نفس؟

لا أدري لماذا لم أقتنع يوماً بتلك الكتب التي يُدرجونها تحت موضوع التنمية البشرية. إن الودّ مفقود بيني وبينها. ولعل السبب هو إيماني بأن من يربّينا هو البيت والبيئة، لا الجامعة، ولا الكتب. يمكن للكتاب أن يفتح لك آفاقاً واسعة من المعرفة، لكن من الصعب أن ينزع من داخلك مشاعر العنف، أو القلق، أو الخجل، أو التردد، أو الانطواء، أو الخوف من المجتمع.

والمؤلفات حول التنمية الذاتية ليست جديدة، رغم أننا بتنا نراها بكثرة في معارض الكتب، وواجهات المكتبات. ففي عام 1948 أصدر الكاتب الأمريكي، ديل كارنيجي، كتابه الشهير «دع القلق وابدأ الحياة». وحقق الكتاب شهرة عالمية، وتمت ترجمته إلى عشرات اللغات، وبيعت منه ملايين النسخ. وقد طالعت مئات الكتب، لكنني لا أذكر أنني اقتنيت ذلك الكتاب، أو حتى تصفحته. إن القلق الزائد عن الحد هو مرض نفسي، وعلاجه عند الطبيب. ولا أظن أن قراءة كتاب يمكن أن تداويه.

إنعام كجه جي تكتب: أيّ ثقة وأيّ نفس؟

اليوم، بعد ثلاثة أرباع القرن على كتاب كارنيجي، يصدر في باريس كتاب بعنوان «الثقة بالنفس»، للمؤلف شارل بيبان. والحقيقة أنني لم أقتنه، ولم أقرأه، لكن عيني وقعت على مقابلة مع الكاتب يحاول فيها أن يفلسف الموضوع. فهو يرى أن هناك ثلاثة وجوه للثقة بالنفس، الأول هو تلك الثقة المستمدة من التجارب الشخصية للفرد ومن مدى تقديره لنفسه. والوجه الثاني هو الثقة العلاقاتية، أو الاجتماعية، أي نوعية علاقات الفرد مع الآخرين. والثالث هو الثقة الغامضة أو الغيبية، أي تلك التي تنشأ من علاقة الفرد بالدين، وبالطبيعة، وفهمه للكون المحيط به.

قد يكون الفرد ناجحاً في واحد من الوجوه الثلاثة، أو في اثنين منها، لكنه محتاج لتطوير ثقته الاجتماعية، مثلاً، أي تدريب نفسه على مدّ أواصر طيبة مع الجيران، والزملاء، ومع الأهل. وهنا ينصح المؤلف ببَتر العلاقات المسمومة، والتخلص منها، لأنها تكبح تقدم الفرد، واستقراره النفسي. حسناً، نحن نعرف كل هذا، وقد سمعناه كثيراً من برامج التلفزيون، فما الجديد في الكتاب؟

يؤكد المؤلف أن الثقة بالنفس ليست صفة شاملة. فأنت قد تكون واثقاً كل الثقة من معرفتك بأمور مهنتك، الصحافة إذا كنت صحفياً، والهندسة إذا كنت مهندساً، والنجارة إذا كنت نجاراً. وأنت تجادل الناس، وتشرح لهم التفاصيل بكل اقتدار، من دون أن تطرف لك عين. لكنك تجد نفسك منكمشاً ومنكفئاً إذا دار الحديث حول موضوع خارج مجال تخصصك، ودرايتك.

يتحدث شارل بيبان عن ضرورة الانفتاح على جمال العالم. وهو ما اتفق به معه. لابد من تدريب العين على رؤية ما يبهج النفس، ويهدّئ الخاطر. قد لا يكون المحيط جميلاً، ونظيفاً، وطيّباً، ومسالماً، ونزيهاً. لكن هناك شعاع نور في كل كتلة غائمة. فإذا تدربت على أن تثق بالغيم فإن الشعاع آتٍ لا ريب فيه، والمطر قريب.

يقول: «ليس صحيحاً أن في داخل كل منا جوهرة كامنة، وعلينا اكتشافها. فنحن إذا تعمّقنا في النظر إلى داخل أنفسنا فلن نجد الجوهرة المزعومة. إن الحل يكون بالخروج من الاهتمام بالذات، والذهاب إلى لقاء الآخر. وسر الثقة بالنفس يكمن في تلك الحركة لاكتشاف العالم الخارجي».

لم أفهم كل كلام الكاتب الفيلسوف، لكنني أحببت دعوته لتوطيد العلاقة مع الطبيعة. يقول إن المرء يشعر بطاقة مفاجئة، وثقة بقدراته حين يصعد إلى الجبل وينظر إلى المدينة من فوق. ومن جانبي، أضيف أن الأمر يمكن أن يحصل أيضاً، عند الوقوف أمام البحر الشاسع، أو الخروج إلى الصحراء. خذ نفساً عميقاً صافياً، وستشعر بأنك سيد زمانك.

 

مقالات ذات صلة