30 نوفمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: مديح الابتسامة

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: مديح الابتسامة

لو جَرَدنا شعر الغزل، بما في ذلك شعرنا العربي في مراحله المختلفة، الذي كتبه شعراء رجال عن النساء، أو كتبته شاعرات عن رجال، فلن نفاجأ لو لاحظنا أن لمديح الابتسامة حيزاً كبيراً في هذا الشعر، كأن الابتسامة باب الوجه، مفتتح القلب، وللشعراء فيما ذهبوا إليه كل الحق، فالوجه المضيء بالابتسامة، يشرق بها ويهلّ. وبلغ الأمر بعنترة ابن شداد أن ودّ تقبيل السيوف لأنها لمعت كثغر الحبيبة المتبسم، وهي مبالغة تبلغ بالغزل والخيال معاً حدّاً لا يخطر على بال.

ومثل عنترة فعل كثيرون استحوذت عليهم ابتسامة الوجه، وألقتهم صرعى الوجد، فإذا بأسنان الحبيبة تتحول إلى لآلئ ودرر. ليس ثمة لآلئ هناك. هناك أسنان فحسب، كما نعلم جميعاً، ولكن المجاز يذهب أقاصيه فيجعل من العادي قصيدة.

يجوز للشعراء ما لا يجوز لغيرهم، حتى لو لم تكن هناك لآلئ أو درر خلف الشفتين، يمكن لطلّة ابتسامة هادئة من وجه صبوح أن تضفي على أوقاتنا دلالاً وحناناً وبهجة. كلنا، فيما أحسب، صادفنا في الحياة بشراً نوّد لو أن نهاراتنا ابتدأت برؤية طلّة وجوههم، لما تبثه في نفوسنا من طاقة تفاؤل، وبالعكس صادفتنا وجوه يصحّ عليها الوصف الشعبي الموروث بأنها «تجلب الفقر».

لكن تقريراً قديماً يُفند الاعتقاد السائد بأن الابتسامة تُرى بالعين فقط، ويرى أنها تسمع بالأذن أيضاً، لأن الإنسان عندما يبتسم، فإن بعض عضلات الوجه تنقبض، ويؤدي ذلك لتقليص المسافة بين الحنجرة والشفتين فيختلف الصوت، حتى نكاد «نسمع» الابتسامة.
نستطيع أن نميز من حديث أحدهم يهاتفنا ولا نراه أنه في هذه اللحظة بالذات يبتسم مع أننا لا نراه. أكثر من ذلك نستطيع أن نتخيل شكل ابتسامته، وهذا التخيل يأتي من الذاكرة، أي من حقيقة أننا على معرفة بهذا الشخص وبشكل ابتسامته، وقد يأتي هذا التصور من المخيلة التي ترسم صورة شكل الابتسامة.

لن ندرك أهمية الابتسامة، إلا حين يُقارن الوجه الباسم والوجه المتجهم. حتى الإنسان نفسه يصبح مختلفاً حين يطالعنا مبتسماً لو قارنا حاله وهو متجهم. وأياً كان الأمر فإن ثمة أشخاصاً في هذه الدنيا هم من الطيبة والأريحية والقرب النفسي والروحي الذي نشعر من حديثهم بأنه يفيض بالابتسام والحنان، حتى لو لم يكونوا يبتسمون. هؤلاء، قبل سواهم، هم من يمنحوننا القدرة على أن نشعر بالبهجة، ويلونون حياتنا بالفرح، ونحار في الإجابة لو فكرنا: ماذا كنا سنعمل لو لم يكونوا في حياتنا؟

 

مقالات ذات صلة